الجمعة 14 نوفمبر 2025 - 10:25:40 م

تحول كبير في نظرة المستثمرين العالميين إلى الأسواق الناشئة

تحول كبير في نظرة المستثمرين العالميين إلى الأسواق الناشئة

دبي، الإمارات العربية المتحدة:

على مدار جزء كبير من تاريخ السوق الحديث، تعامل المستثمرون مع سندات الأسواق الناشئة على أنها وجهة للعائد المرتفع، مع مخاطر عالية في أسواق الدخل الثابت عالمياً.

 

وكان المنطق بسيطاً: الاقتصادات الناشئة تلازمها سياسات متقلبة، ومؤسسات هشة، وعملات معرضة لانخفاضات حادة في قيمتها. وفي المقابل، وفرت الأسواق المتقدمة خلفية سياسية مستقرة.

 

لكن الظروف الكلية والسوقية التي كانت تصنف ضمن «المخاطر» في السابق، قد شهدت انقلاباً، متحديةً بذلك واحدة من أكثر أعراف التسعير ديمومة في الدخل الثابت العالمي: فكرة أن الأسواق الناشئة، يجب أن تتداول بخصم.

 

وقد تدهور الوضع المالي للعديد من الاقتصادات المتقدمة بشكل حاد منذ جائحة كوفيد 19. كما أن الولايات المتحدة، التي تُمثل المعيار للأصول العالمية «الخالية من المخاطر» في شكل سندات الخزانة، تُعاني الآن من عجز مالي يزيد على 6 % من الناتج المحلي الإجمالي، ونسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي تقترب من 120 %.


وكلاهما يرتبط عادةً بالدول السيادية الناشئة، التي تتعرض لضغوط. وتتجاوز النسبة في اليابان 230 %، بينما في أوروبا، تزيد شيخوخة السكان والتزامات الإنفاق المستمرة من أعباء الديون.

 

وهكذا، يتركز الخطر الجيوسياسي بشكل متزايد على الاقتصادات المتقدمة. ووكالات التصنيف الائتماني تلاحظ ذلك: فتخفيض وكالة موديز للتصنيف الائتماني للولايات المتحدة في مايو.

 

وتخفيض مماثل من جانب وكالة سكوب للتصنيف الائتماني في أكتوبر، والذي أشار إلى الحوكمة والتدهور المالي، يبرزان كيف أن الحدود بين الديون «الآمنة» و«الخطيرة» تتلاشى.


في المقابل، يتطور العديد من الأسواق الناشئة. وقد كانت الاستجابة المالية والنقدية للصدمات العالمية الأخيرة أكثر تقليدية بكثير مما كانت عليه في الدورات السابقة.

وعلى سبيل المثال، رفعت البنوك المركزية في البرازيل والمكسيك وتشيلي أسعار الفائدة خلال فترة الجائحة، قبل وقت طويل من تحرك الاقتصادات الكبرى.

 

كذلك، فإن مقاييس الدين باتت أكثر اعتدالاً. ووفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، يبلغ متوسط نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في الأسواق الناشئة حوالي 70 %، مقارنة بـ 112 % في الاقتصادات المتقدمة.

 

ونفذت العديد من الدول ذات الدخل المحدود والمتوسط، لا سيما إندونيسيا والهند، أطراً مالية متوسطة الأجل، تهدف إلى الحفاظ على استدامة الدين مع دعم البنية التحتية والإنفاق الاجتماعي. كما كان التقدم المؤسسي واضحاً ومهماً.


فقد أصبح اعتماد أنظمة استهداف التضخم، وتعميق أسواق السندات بالعملة المحلية، وتحسين الاحتياطيات الخارجية، معايير راسخة، ما يقلل من التعرض التاريخي لأزمات هروب رأس المال.

 

ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه التحولات، لا تزال ديون الأسواق الناشئة السيادية يتم تداولها بعائد أعلى بكثير من نظيراتها في الأسواق المتقدمة. ويبلغ عائد مؤشر جي بي مورغان جي بي آي-إي إم للسندات بالعملات المحلية حالياً حوالي 5.92 %، مقابل 3.45 % لمؤشر بلومبرغ جلوبال أجريجيت.

 

وتزداد صعوبة تبرير مثل هذه العلاوة. وقد اتسع نطاق تشتت جودة الائتمان داخل عالم الأسواق الناشئة، لكن حصة متزايدة من ديون الأسواق الناشئة تقع الآن بشكل مريح ضمن الدرجة الاستثمارية.

 

وإذا كان المستثمرون سيسعّرون المخاطر بناءً على الأساسيات بدلاً من الأعراف، فمن الممكن القول إن أجزاءً من مجمع الأسواق الناشئة تستحق علاوة تقييم. ولنأخذ مثلاً المكسيك، التي تبلغ نسبة ديونها 49 % من الناتج المحلي الإجمالي، أي أقل من نصف نسبة الدين في الولايات المتحدة.

 

أو عوائد السندات المحلية لعشر سنوات في إندونيسيا، والتي تبلغ عوائدها حوالي 6 %، على الرغم من الانضباط المستمر في الحساب الجاري، ووجود قوة عاملة شابة ومتنامية. ويمكن لثلاث قوى أن تُسرّع عملية إعادة التسعير هذه:

 

أولها، يشهد فائض المدخرات العالمية الآن تراجعاً هيكلياً. ومع بدء شيخوخة السكان في الاقتصادات المتقدمة في سحب الأصول، سيتدفق رأس المال بشكل متزايد نحو المناطق ذات الإنتاجية، والنمو الديموغرافي الأعلى. وينطبق هذا الوصف على الأسواق الناشئة.

 

 

ثانيها، يُعزز صعود المستثمرين المحليين، وتحديداً صناديق التقاعد وشركات التأمين وصناديق الثروة السيادية، الطلب على الديون المحلية، ما يُقلل الاعتماد على التدفقات الأجنبية المتقلبة.

 

وفي الهند، على سبيل المثال، تمتلك المؤسسات المحلية الآن أكثر من 90 % من الأوراق المالية الحكومية، ما يجعل السوق أكثر مرونة في مواجهة الصدمات العالمية.

 

ثالثها، يُعزز إدراج المؤشرات من وصول المستثمرين العالميين. وإدراج بلومبرغ وجي بي مورغان مؤخراً لسندات حكومتي الهند والسعودية في مؤشرات رئيسة، مع احتمال إدراج سندات لدول أخرى مرشحة لـ«قائمة المراقبة».

 

يُوجِّه تدفقات تتراوح قيمتها بين 30 و50 مليار دولار إلى فئة الأصول. وفي الواقع، وبشكل أعم، لا تزال ديون الأسواق الناشئة تُشكّل نسبة ضئيلة من معظم تخصيصات الأصول الاستراتيجية. وهذا الوضع قابل للنمو.

 

لقد تغير العالم بوتيرة أسرع من تقاليد التسعير. قد يجد مستثمرو السندات الذين يواصلون تعريف «الخالي من المخاطر»، بأنه «متقدم» و«العالي المخاطر»، بأنه «ناشئ»، قريباً، أن هذه الافتراضات مُشككة في البيانات والتركيبة السكانية وديناميكيات الدين.