السبت 19 يوليو 2025 - 09:03:33 ص

حسابات السلامة تنتصر على بريق تطور التكنولوجيا في السيارات

حسابات السلامة تنتصر على بريق تطور التكنولوجيا في السيارات

دبي، الإمارات العربية المتحدة:

بينما تنطلق بسيارتك على الطريق السريع، تتوقف حركة المرور فجأة دون سابق إنذار لحظة دخولك النفق، فتمتد يدك تلقائياً نحو زر مصابيح التحذير، إلا أنك تفاجأ بعدم وجوده في مكانه المعتاد.

وبدلاً من زر يسهل الوصول إليه، تكتشف أن تشغيل هذه المصابيح الضرورية يتطلب التنقل عبر قائمة في شاشة السيارة التي تعمل باللمس، وحين تنقر على الشاشة للوصول إلى هذه الخاصية الحيوية، تتجمد الشاشة تماماً وتتوقف عن الاستجابة. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما الحل في موقف كهذا؟

 

في منتصف العقد الثاني من هذا القرن، شهدت صناعة السيارات تحولاً جذرياً في فلسفة التصميم، إذ تخلت معظم الشركات عن الأزرار التقليدية لصالح واجهات مستوحاة من الهواتف الذكية ونهج تسلا التقشفي.

 

ولم تقتصر الثورة على الوظائف الترفيهية، بل شملت أيضاً عناصر أمان مهمة؛ كأضواء الطوارئ وماسحات الزجاج التي أصبحت متاحة حصرياً عبر شاشات رقمية.

غير أن هذا التوجه نحو مقصورة مستقبلية أنيقة بدأ يصطدم ببعض المشكلات، خصوصاً في اللحظات الحرجة التي تتطلب استجابة فورية.

 

فما الذي دفع الشركات لاعتماد هذا الاتجاه منذ البداية؟ إلى جانب جاذبية التصميم البسيط، كان الدافع المالي هو الأبرز، إذ يسهم حذف الأزرار في تقليل قطع الغيار وتبسيط التصنيع.

 

كما يسهل هذا النهج تقديم تحديثات برمجية عن بُعد، تتيح خدمات باشتراك مثل الملاحة، والأوامر الصوتية، وتدفئة المقاعد، دون الحاجة لزيارة الوكالة.

وهو نموذج مستوحى من عالم الهواتف الذكية: بيع الأجهزة، وتحقيق الأرباح من البرمجيات.

غير أن العجلة بدأت تدور في الاتجاه المعاكس الآن، فشركات صناعة السيارات تعيد إحياء الأزرار نفسها التي أعلنت يوماً أنها أصبحت من مخلفات الماضي.

ويبدو هذا التحول ملفتاً بشكل خاص في آسيا، فبعد أن قادت المنطقة مسيرة تبني المقصورات التي تهيمن عليها شاشات اللمس، باتت هي نفسها الآن في طليعة من يصحح المسار.

 

وتقود شركات السيارات الكهربائية الصينية مثل شاومي وبي واي دي ودينزا موجة التصحيح هذه، فسيارة شاومي «إس يو 7» تتيح صفاً اختيارياً من المفاتيح الفعلية المثبتة مغناطيسياً أسفل شاشة اللمس، بينما زودت بي واي دي طراز «سيليون 05» بأزرار في وحدة التحكم المركزية، واستبدلت دينزا، العلامة التابعة لـ«بي واي دي» لوحات اللمس بمفاتيح تقليدية في نموذج «دي 9».

 

وفي اليابان، تراجعت سوبارو عن تصاميمها المعتمدة على الشاشات، وأعادت هذا العام إدماج أدوات التحكم المادية في طرازات مثل «أوتباك 2026».

 

ويتوقع أن تلعب أوروبا دوراً محورياً في تسريع إعادة تصميم لوحات القيادة، إذ أعلنت الهيئة الأوروبية لتقييم السيارات الجديدة أنه بحلول عام 2026، ستكون الوظائف الأساسية مثل إشارات الانعطاف ومصابيح التحذير متاحة من خلال أزرار مادية للحصول على أعلى تصنيف للسلامة.

 

وكشفت دراسة سويدية أجرتها مجلة «في بيلاجاري» أن سيارة فولفو موديل 2005 المزودة بأزرار مادية تقليدية مكنت السائقين من إنجاز المهام الأساسية في 10 ثوانٍ فقط، أي أقل من ربع الوقت الذي تطلبته السيارات العصرية المجهزة بشاشات لمسية، حيث استغرقت المهام البسيطة ما يصل إلى 44.6 ثانية.

 

فيما كشفت دراسة أجراها مختبر أبحاث النقل أن استخدام شاشات اللمس داخل السيارة قد يضعف زمن استجابة السائق بمعدل يفوق تأثير تجاوز الحد القانوني للكحول أو حتى القيادة تحت تأثير المخدرات.

 

ومن منظور التكلفة، قد تبدو إعادة عناصر التحكم المادية خطوة للوراء في عالم السيارات.

 

فعند احتساب نفقات إضافية تقدر بنحو 100 دولار للقطع والتوصيلات والتجميع في كل سيارة، قد تواجه شركة عالمية تنتج 10 ملايين مركبة سنوياً أعباءً مالية إضافية تصل إلى مليار دولار.

ومع أن تكلفة إعادة الأزرار لا تتجاوز 1 % من متوسط سعر سيارة متوسطة الفئة، فإنها تظل ضئيلة مقارنة بالمخاطر المالية الناتجة عن الاعتماد الكامل على الشاشات اللمسية.

فتراجع تصنيفات البرنامج الأوروبي لتقييم السيارات قد يضعف ثقة المستهلكين، ويزيد أقساط التأمين، ويقلص مبيعات الأساطيل، خصوصاً في أوروبا حيث تمثل مشتريات الشركات أكثر من نصف عمليات تسجيل السيارات الجديدة.


أما في أسواق تنافسية كالصين، التي تضم أكثر من 100 علامة تجارية للسيارات الكهربائية، فإن أي تراجع طفيف في مؤشر صافي الترويج للعلامة التجارية - المقياس الأساسي لولاء العملاء - قد يؤدي سريعاً إلى فقدان الحصة السوقية.


وتعد عودة الأزرار جزءاً من نمط متكرر في تاريخ التكنولوجيا، فمراراً وتكراراً، وقعت الصناعات في فخ الخلط بين الواجهات المبسطة والتقدم الحقيقي.


ففي مطلع الألفية الثانية، تسابقت شركات الهواتف المحمولة للتخلص من المفاتيح المادية، لتعود لاحقاً وتعيد أزرار التحكم بالصوت والقفل والوصول للطوارئ.


وحتى مفتاح الوضع الصامت في هواتف آيفون لا يزال محتفظاً بمكانه، للسبب ذاته الذي يجعل السائقين بحاجة إلى زر للإنذار: إمكانية العثور عليه دون الحاجة للنظر.


وفي قطاع الطيران، اعتبرت واجهات اللمس ثورة تقنية في بدايتها، غير أن الدراسات منذ أواخر العقد الثاني من الألفية أثبتت أنه في ظروف الاضطراب الجوي أو حالات الطوارئ، لا شيء يضاهي سرعة وكفاءة المفتاح المادي.


وما زالت معدات المصانع والأجهزة الطبية والتجهيزات العسكرية تعتمد على أدوات تحكم مخصصة.


وتذكرنا الدروس المستخلصة من مختلف القطاعات بحقيقة جوهرية: في اللحظات الحاسمة، يلجأ العقل البشري تلقائياً إلى ذاكرة العضلات.


وفي عالم السيارات، يعني ذلك تصميم المركبات وفقاً للطريقة الواقعية التي يقود بها البشر. وهكذا، فإنه أحياناً، يكون التقدم الحقيقي في العودة خطوة إلى الوراء.