الثلاثاء 15 يوليو 2025 - 06:40:11 ص

فوضى ترامب الجمركية تقدم تحذيراً مفيداً للعالم

فوضى ترامب الجمركية تقدم تحذيراً مفيداً للعالم

دبي، الإمارات العربية المتحدة:

اتضح أن مهلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب النهائية في التاسع من يوليو لإعادة فرض ما سمّاه «الرسوم الجمركية التبادلية» لم يكن سوى تأجيل، وإن لم يكن واضحاً إن كان إلى الأول من أغسطس أو الأول من سبتمبر، ومن المحتمل جداً أن يتم تأجيلها إلى أجل غير مسمى، رغم تأكيدات الرئيس المكتوبة بأحرف كبيرة على منصة «تروث سوشيال»، وبالتالي جاء رد فعل أسواق المال هادئاً. 

 

وكما تساءل بوب مانكوف، في أعظم رسم كاريكاتيري على الإطلاق لمجلة «ذا نيويوركر»: «وماذا عن لا مطلقاً؟ هل تناسبك لا مطلقاً؟».

 

وقد شهدنا أيضاً شيئاً من التسلية حين وجه ترامب إحدى رسائله المليئة بالتهديدات الجمركية إلى ملك تايلاند، معتقداً على ما يبدو أن البلاد تحكم بنظام ملكي تنفيذي.

 

إنها فوضى، بلا شك، لكنها فوضى قد تفضي إلى بعض النتائج المفيدة.

 

لا يمكنني ادعاء أن ترامب يفيد التجارة العالمية، إلا أن عدم كفاءة حملته التعريفية والأضرار التي لحقت بآفاق النمو الأمريكي قصة تحذيرية للحكومات التي يداعب عقلها فكرة القيام بالشيء نفسه.

 

ورغم أنه من غير المحتمل أن يقلد أحد تعريفات ترامب فإن قليلاً من الأفكار التي تأتي من الولايات المتحدة تكون متطرفة أو غير عملية لدرجة لا تلهم صناع السياسات في أماكن أخرى. وقد أعرب عدد لا بأس به من السياسيين وحتى الحكومات في الخارج، خاصة في المملكة المتحدة بخضوعها المعتاد والمحرج للسياسة الأمريكية، عن إعجاب غريب بحملة ترامب التدميرية لتفكيك الدولة الإدارية الأمريكية، على سبيل المثال.

 

وللتذكير فإن المملكة المتحدة كانت تروج في العام الماضي لما أسمته «اقتصاد الأمن»، مستشهدة صراحة بجو بايدن كونه مصدر إلهام، والذي وصف بأنه «بايدنوميكس» بدون المال، لأن المملكة المتحدة تفتقد لمصادر التمويل الأمريكية.

 

وحالياً، تتبع حكومة كير ستارمر وعد إدارة ترامب وتشرب بعمق من جرعة الذكاء الاصطناعي السحرية، لمحاولة علاج الاقتصاد البريطاني من علله المستمرة، لكن سياسة ترامب التجارية كانت شديدة الخلل إلى درجة أنها حتى بالنسبة للمملكة المتحدة فشلت تماماً في أن تشكل نموذجاً يحتذى.

من المرجح أن يشبه تأثير رسوم ترامب الجمركية على النقاشات العالمية حول التجارة ما حدث مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

اعتقد بعض المعلقين في المملكة المتحدة بصدق، إلى حد مثير للضحك، أن الدول الأعضاء الأخرى، بما في ذلك أيرلندا ستتبعها في الخروج من الاتحاد الأوروبي.

بدلاً من ذلك زادت السياسة و«سخافة» تنفيذها حب الاتحاد الأوروبي بين الدول الأعضاء الـ 27، التي كانت حكيمة بما يكفي لعدم السير وراء بريطانيا إلى المستنقع.

أما ردود فعل الدول تجاه ترامب بشكل عام فكانت محاولة تقليص الأضرار بقدر الإمكان، ولا توجد حكومة واحدة تحضرني، خاصة في جنوب شرق آسيا، المحرك العظيم للعولمة، أعلنت نيتها تقليد سياساته الجمركية.

نعم، هناك موجة من الرسوم الوقائية فرضتها بعض الدول ذات الدخل المتوسط على واردات الصين، خاصة منذ منع بعض بضائع الصين من دخول السوق الأمريكية، فتدفقت إلى الأسواق العالمية، إلا أن تلك الرسوم تبقى في إطار الحماية الانتقائية والمحدودة، ولا تمثل تحولاً جذرياً في الفلسفة الاقتصادية المنفتحة لهذه البلدان.

 

ولا تزال الصين تحتفظ بحواجزها المتعددة، التي هي - أساساً في طبيعتها - غير جمركية، لتقييد وإدارة دخول الشركات الأجنبية لأسواقها، سواء لبيع منتجاتها أو للاستثمار المباشر، لكن لا شيء جديداً، أو له علاقة بترامب.

 

ولا تزال هناك حلقتان مهمتان مفقودتان في الاستجابة الدولية لما يحدث.

 

الأولى تتمثّل في غياب رد فعل إيجابي من الحكومات الأخرى، بدلاً من الاكتفاء بالمواقف السلبية أو الدفاعية، والثانية تتعلق بالشركات متعددة الجنسيات، التي نجحت حتى الآن في التحايل على الرسوم الجمركية الأمريكية، لكنها ما زالت مترددة في نقل استثماراتها بشكل دائم لإعادة هيكلة سلاسل التوريد، إلا أنه مع طول الفترة الزمنية من عدم اليقين المدمر بشأن السياسة التجارية من جانب الولايات المتحدة رأيهم.

 

في العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية قادت الولايات المتحدة الاقتصادات المتقدمة الأخرى، ولو تدريجياً، للخروج من حقبة الحمائية، التي سادت ثلاثينيات القرن الماضي، نحو نظام تجاري ليبرالي تمحور جزئياً حولها.

 

أما ترامب فقد قام بانعطافة حادة إلى الخلف، لكن لا توجد مؤشرات كثيرة على أن الحكومات الأخرى تسير وراءه في هذا الاتجاه القاتم، سوى بشكل جزئي وتحت ضغط الضرورة.

وسنعود إلى هذا المشهد مجدداً بعد نحو ثلاثة أسابيع، في الأول من أغسطس، حيث يحتمل أن يصدر ترامب رسائل برسوم جمركية إلى إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة أو إلى حاكم سلالة مينغ الصينية، لكن على المدى البعيد، ربما لا تكون المسألة ترتبط بمدى تنفيذ ترامب لتهديداته، بقدر ما تتعلق بالأثر التراكمي، الذي يخلفه يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر، الذي يدمر فكرة أن حملة مستمرة لرفع الرسوم الجمركية قد تعود بالنفع على الاقتصاد الأمريكي.