السبت 19 يوليو 2025 - 09:23:08 ص

كيف قلبت «بي واي دي» موازين سباق السيارات الكهربائية مع تسلا؟

كيف قلبت «بي واي دي» موازين سباق السيارات الكهربائية مع تسلا؟

دبي، الإمارات العربية المتحدة:

في منتصف 2022، صرّح ليان يوبو، المسؤول التنفيذي في شركة «بي واي دي»، بأن إيلون ماسك يُعد مثالاً يُحتذى به لجميع مصنعي السيارات الصينيين، وذلك رداً على سؤال حول المقارنة بين التصنيع الصيني وتقنيات شركة «تسلا».


لكن في غضون ثلاث سنوات فقط، تقلّصت الفجوة التكنولوجية بين تسلا ومنافسيها الصينيين بشكل لافت، لتجد الشركة الأمريكية نفسها تخوض معركة شرسة للحفاظ على مكانتها في أكبر سوق للسيارات في العالم، خاصة مع تراجع مبيعاتها في عدة أسواق دولية وتزايد العقبات التنظيمية أمام تطوير مركباتها ذاتية القيادة بالكامل.


وكثيراً ما سخر ماسك من فكرة أن تمثل «بي واي دي» منافساً حقيقياً لتسلا، لكنه عاد من زيارته إلى الصين العام الماضي بتقييم قاتم شاركه مع إدارته العليا. ووفقاً لأحد المديرين التنفيذيين السابقين في تسلا، فبعد أن اطّلع ماسك على مصانع «بي واي دي» وتقنياتها المتقدمة وتكاليف إنتاجها المنخفضة، خلص إلى قناعة مفادها أن الصين تتصدر سباق السيارات الكهربائية بجدارة. ومع تهاوي مبيعات تسلا إثر انغماس ماسك في المشهد السياسي الأمريكي وافتقار الشركة لطرازات جديدة، تمكنت «بي واي دي» من تجاوز تسلا لتتربع على عرش صناعة السيارات الكهربائية عالمياً، إذ تخطت إيراداتها السنوية حاجز المئة مليار دولار للمرة الأولى في 2024.


ويشكّل التحول المتسارع نحو المركبات ذاتية القيادة وتقنيات الذكاء الاصطناعي فصلاً جديداً فيما تحول من مجرد منافسة بين عملاقي صناعة السيارات الكهربائية إلى ركيزة محورية في صراع التفوق التكنولوجي بين القوتين العظميين: الولايات المتحدة والصين.


وحتى وقت قريب، تمثّلت الميزة التنافسية الأبرز للشركات الصينية المصنعة للمركبات الكهربائية في انخفاض أسعارها مقارنة بتسلا. لكن المشهد تبدّل في فبراير الماضي، حين كشف مؤسس «بي واي دي» وانغ تشوانفو في شنتشن عن نظام «عين الآلهة»، وهي منظومة متقدمة لمساعدة السائق تُعد خطوة استباقية نحو القيادة الذاتية الكاملة.


وبعد شهر واحد فقط، ظهر ليان يوبو - الذي يتولى حالياً رئاسة معهد أبحاث هندسة السيارات في «بي واي دي» ـ جنباً إلى جنب مع وانغ تشوانفو على المسرح ليعلن عن منظومة ثورية لشحن البطاريات قادرة على إضافة مدى قيادة يصل إلى 470 كيلومتراً في غضون خمس دقائق فحسب - وهو زمن قياسي مقارنة بالفترة التي تستغرقها سيارة تسلا للوصول إلى المستوى ذاته.


هذه القفزات التكنولوجية المذهلة التي حققتها «بي واي دي» وشركات صينية أخرى أثارت حالة من الهلع في أوساط مصنعي السيارات التقليديين، الذين سارعوا إلى عقد شراكات مع منافسيهم الصينيين للاستفادة من خبراتهم في بناء مركبات بوتيرة أسرع وتكلفة أقل، مع تطبيقات برمجية متفوقة.


وقال مارك غريفين، أستاذ الابتكار والاستراتيجية في معهد «آي إم دي» في الصين، إن ماسك «فقد بوصلته» في اللحظة الحاسمة التي كان فيها وانغ ينتقل بخطى واثقة من مجرد تكنولوجيا البطاريات إلى عوالم تطوير البرمجيات والرقائق الإلكترونية المتقدمة.


بيد أن الرجل الذي أرغم صناعة عالمية برمتها على التعامل بجدية مع ثورة الدفع الكهربائي لا يعتزم الاستسلام. ففي مايو الماضي، قرر ماسك التخلي عن دوره الحكومي في الولايات المتحدة ليكرس جهوده لدفع مجالات النمو المستقبلية لتسلا: المركبات ذاتية القيادة، والذكاء الاصطناعي، وخدمات سيارات الأجرة الروبوتية، والروبوت البشري المبتكر «أوبتيموس». ويقول ماسك إن هذه المنتجات الثورية ستدفع تسلا للتربع على عرش الشركات العالمية من حيث القيمة السوقية، متوقعاً وصولها إلى عشرات التريليونات من الدولارات.


وقال أحد المسؤولين التنفيذيين السابقين في تسلا: «فلسفته تقوم على سؤال جوهري: هل يمكن لشركات السيارات أن تستمر في الوجود بعد عقد من الزمن دون امتلاك تقنيات القيادة الذاتية؟ الإجابة على الأرجح ستكون بالنفي، تماماً كما حدث في المقارنة بين الهواتف التقليدية القابلة للطي وثورة آيفون». وأضاف أن سباق تسويق المركبات الكهربائية بات شبه محسوم، مشدداً على أن «تسلا يجب أن تنتصر في مجالَي الذكاء الاصطناعي والقيادة الذاتية».


وبالنسبة لوانغ تشوانفو، البالغ من العمر 59 عاماً والملقب داخل أروقة «بي واي دي» بـ«الرئيس»، فقد حوّل شغفه الجامح بالبطاريات إلى بوابة للدخول إلى عالم صناعة السيارات في مطلع الألفية الجديدة. وبعدما نجح في استقطاب استثمارات من شركة «بيركشاير هاثاواي» المملوكة لوارن بافيت في 2008، قاد وانغ المجموعة الصينية نحو قفزة نمو مذهلة، ببلوغ مبيعاتها 4.27 ملايين مركبة العام الماضي، ما يعادل عشرة أضعاف مبيعاتها في 2020، منها 1.76 مليون سيارة كهربائية بالكامل.


أما تسلا، فارتفعت مبيعاتها في الفترة ذاتها من أقل من 500 ألف إلى 1.79 مليون مركبة، لكن «بي واي دي» باتت في موقع متقدم يؤهلها لتخطي تسلا في إجمالي المبيعات العالمية السنوية للسيارات الكهربائية لأول مرة في 2025، مع تسارع توسعها خارج الصين.


وفي السوق الصينية، تهيمن الشركة حالياً على حصة سوقية قدرها 21 بالمئة، وفقاً لمؤسسة «أوتوموبيليتي» الاستشارية في شنغهاي. في المقابل، تستحوذ تسلا - التي يُعزى إليها الفضل في إشعال شرارة اهتمام المستهلكين بالسيارات الكهربائية عندما طرحت نموذجها الأول في الصين عام 2013 - على 8 بالمئة فقط من السوق.


وبات نجاح «بي واي دي» الاستثنائي رمزاً لصعود صناعة السيارات الصينية، التي كانت تعتمد في السابق بشكل كبير على شركاء أجانب مثل «فولكسفاغن» و«تويوتا» و«جنرال موتورز» للحصول على الخبرات في مجالي التصميم والتصنيع.


وفي حين اضطرّت شركات السيارات الغربية الأخرى إلى إقامة مشاريع مشتركة مع كيانات محلية، عمدت الصين إلى تعديل قواعد الاستثمار لتمنح تسلا امتيازاً فريداً يتيح لها امتلاك وإدارة فرعها الصيني بصورة كاملة. وقد ارتأت الحكومة الصينية أن وجود تسلا - عبر مجمعين صناعيين عملاقين لإنتاج سيارتها «موديل واي» السيدان وحزم البطاريات في شنغهاي - سيسهم في تعزيز بنيتها التحتية المحلية وتطوير سلاسل التوريد من خلال نقل آخر المستجدات.


وقال ماثيو فاتشابارامبيل، الرئيس التنفيذي لمؤسسة «كيرسوفت» المتخصصة في هندسة خفض التكاليف، إن الوتيرة المذهلة التي استوعب بها صناع السيارات الصينيون التكنولوجيا وطوروا ابتكاراتهم الخاصة مكنتهم من تجاوز العديد من منافسيهم الأوروبيين واليابانيين في رحلة التحول نحو عصر السيارات الكهربائية.


ويُعد أسلوب «الصبّ العملاق» مثالاً جيداً على ذلك؛ وهي تقنية تعتمد على صبّ وضغط أجزاء الهيكل كاملة بدلاً من تجميع مكوّنات أصغر من خلال اللحام. وتُسهم هذه العملية في تقليل وزن السيارة، وتسريع الإنتاج، وخفض تكاليف العمالة. وتعتمد هذه التقنية على سبائك ألمنيوم مصنّعة خصيصاً، طورها مهندسون في شركة «سبيس إكس» المملوكة أيضاً لماسك.


وقد جرى استخدام هذه التقنية لأول مرة في سيارات «موديل واي» الرياضية متعددة الاستخدامات المُصنّعة في الصين عام 2021. لكن، وفقاً لتحليل أجرته «كيرسوفت»، فقد تبنّت شركة «إكس بنغ» الصينية، بحلول عام 2023، نظام صبٍّ عملاق خاصاً بها عند إطلاق سيارتها الرياضية «جي 6»، حيث كان أخف وزناً وأكثر صلابة من النظام المستخدم لدى تسلا.


كما نجحت «إكس بنغ» والعديد من العلامات التجارية الصينية في تحسين كفاءة كابلات تسلا خفيفة الوزن المصنوعة من الألمنيوم والمستخدمة في الشحن ومضخات التبريد داخل المركبات الكهربائية. وخلال معرض شنغهاي للسيارات في أبريل الماضي، كشفت «بي واي دي» عن طرازها التجريبي الفاخر «دينزا زد» المزود بنظام توجيه متطور يعمل بالأسلاك - وهي تكنولوجيا طرحتها تسلا لأول مرة في سيارتها «سايبرتراك».


وقد قدّمت الشركات الصينية ابتكاراتها الخاصة أيضاً، إذ تشير بيانات «كيرسوفت» إلى أن «بي واي دي» ابتكرت نحو 100 طريقة لترشيد التكاليف تشمل مختلف مكونات ومواد السيارات، والتي لو تبنتها تسلا لحققت وفورات تتراوح بين 350 و885 دولاراً للمركبة الواحدة. وفي المقابل، يمكن لـ«بي واي دي» أن توفر ما يصل إلى 1860 دولاراً لكل سيارة إذا طبقت بعض الحلول التي طورتها تسلا في أنظمة الفرامل ومعدات التبادل الحراري.


ولا تزال تسلا ترى أنها تتمتع بأفضلية كبيرة على منافسيها الصينيين في مجالات مثل تقنيات الأتمتة، وبُنية الذكاء الاصطناعي التحتية، والوصول إلى أحدث رقائق «إنفيديا»، ومليارات الساعات من مقاطع الفيديو الخاصة بالقيادة التي تستخدمها الشركة لتدريب شبكاتها العصبية.


ويبقى الهدف الأسمى لماسك في المدى المنظور هو طرح أسطول من سيارات الأجرة الذاتية القيادة على نطاق واسع بعد إطلاقها بشكل محدود في معقلها الرئيسي بمدينة أوستن. وبينما يحذر المحللون من التحديات الهائلة التي ستواجهها تسلا للحاق بالمتصدرين أمثال «وايمو» التابعة لغوغل، يؤكد ماسك أن التحوّل نحو سيارات الأجرة الذاتية والذكاء الاصطناعي وحده كفيل بدفع القيمة السوقية لتسلا إلى ما قد يصل إلى 5 تريليونات دولار.