الأثنين 24 نوفمبر 2025 - 07:11:52 م

عقارات دبي.. منتج اقتصادي عابر للحدود

عقارات دبي.. منتج اقتصادي عابر للحدود

دبي، الإمارات العربية المتحدة:

نقلاً عن تقرير «نايت فرانك» حققت مبيعات العقار في دبي خلال العام الماضي 207 مليارات دولار، وسجلت مبيعات العقارات السكنية وحدها 100 مليار دولار، تمت من خلالها بيع 107 آلاف وحدة سكنية، هي الحجم الأعلى في المنطقة الخليجية، حسب نفس التقرير، الذي أشار إلى أن حجم المبيعات العقارية المحققة في دبي خلال العام الماضي، قارب حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول عديدة حول العالم مثل اليونان وتفوق على أخرى، حيث عادلت القيمة 4 أضعاف حجم الناتج المحلي للأردن.

 

هذه المقارنة لا تهدف إلى التقليل من اقتصادات هذه الدول، بل لتسليط الضوء على حجم الزخم المالي والاستثماري الذي بات يمثله القطاع العقاري في دبي، والتحول النوعي في مكانة الإمارة على خارطة الاستثمار العقاري العالمي، وتأكيداً على أن قطاع العقارات لم يعد مُجرد رافد من روافد الاقتصاد، بل أصبح محوراً مركزياً يدفع النمو الشامل للإمارة. وهذا يؤكد أن دبي نجحت في بناء منظومة تشريعية ومالية متكاملة، حولت السوق العقاري من قطاع تقليدي إلى منصة استثمار دولية مفتوحة للمستثمرين من مختلف أنحاء العالم.

 

قيمة الصفقات العقارية في دبي تجاوزت كذلك أقرب منافسيها في السوق الخليجي مثل السعودية، التي سجلت 75.7 مليار دولار والكويت 12,1 مليار دولار، هذه القفزة اللافتة ليست مجرد رقم اقتصادي بل مؤشر هيكلي على ديناميكيات عقارية فريدة، تستحق التوقف عندها بالتحليل لا بالإشادة فقط، ففي عالم تتسارع فيه المتغيرات الاقتصادية، وتُعاد فيه صياغة خرائط الاستثمار إقليمياً وعالمياً، تواصل دبي أداءها الاستثنائي في سوق العقارات، مُثبتة مكانتها كوجهة أولى وملاذ آمن لرؤوس الأموال الباحثة عن العائد والاستقرار.

ما نشهده ليس قفزة عقارية، بل نموذج اقتصادي قيد التشكل، تتجاوز فيه دبي حدود السوق المحلي إلى أن تصبح نقطة ارتكاز إقليمية وعالمية للتمويل العقاري، والسكن الفاخر، والمشاريع المبتكرة، والحفاظ على هذا الاتجاه يتطلب الحوكمة، والتنظيم، والابتكار المستمر.

لماذا تتفوق دبي؟

ببساطة، لأن دبي لم تبن سوقاً عقارية فقط، بل نظاماً عقارياً متكاملاً يجمع بين تشريعات مرنة، بيئة ضريبية جذابة، بنية تحتية ذكية ومرتبطة إقليمياً وعالمياً، تنوع المنتج العقاري بما يخاطب شرائح متعددة من المستثمرين: من المليونيرات الجدد إلى الطبقة الوسطى من الوافدين والمقيمين، والثقة في بيئة الأعمال بدعم من الشفافية وسهولة ممارسة الأعمال والتقاضي، إلى جانب الأداء القوي للدرهم المرتبط بالدولار، وسهولة تحويل الأموال، كل هذه العوامل، جعلت من عقارات دبي خياراً عالمياً، وليس إقليميا فقط.

وما يلفت الانتباه أكثر هو أن الطلب على العقارات في دبي لا يأتي فقط كرد فعل طبيعي على البنية التحتية أو القوانين، بل هو طلب يتم تصنيعه وتوجيهه عبر أدوات تسويق احترافية عالمية، بمشاركة أطراف باتت ترى في عقار دبي «منتجاً قابلاً للتصدير»، وعليه يمكن القول إن مسألة نجاح سوق عقارات دبي لا تنحصر فقط في الطلب، بل في كيفية صناعته!.. وإذا ركزنا جيداً في هذه الأرقام، نجد أن القطاع العقاري في دبي يتعامل مع نفسه كمُنتج اقتصادي قابل للترويج عالمياً... وهذه هي النقطة الجوهرية وسر تميز وتفوق دبي عالمياً، ليس فقط في مجال العقارات بل على جميع الصعد الأخرى.

ومع ذلك، حتى لا تأخذنا الغبطة بإنجازاتنا، فإن هذا النمو الهائل يحمل في طياته تحديات ينبغي التعامل معها بجدية، أبرزها، تكرار المشاريع وغياب التخصص، حيث لا تزال العديد من المشاريع المتشابهة تُطرح دون تمايز حقيقي في التصميم أو القيمة المضافة، ما يخلق وفرة على حساب الجودة، إلى جانب مراجعة آلية تسليم المشاريع، وفق مدة زمنية متفاوتة، يُسمح من خلالها تصريف المخزون السابق في السوق، وتحد آخر، هو التنويع في المنتج والابتعاد عن التركيز على كفة واحدة فقط، أي التنويع بين المنتج الفاخر والمتوسط لتلبية احتياجات جميع شرائح المستثمرين والمشترين.

ماذا بعد 2025؟

بالنظر إلى تسارع الأداء الحالي، فإن الأفق العقاري في دبي يحمل فرصاً متعددة، لكن بشــرط أن يتـــم تعــزيـز مقــومــات الاستــدامـة، منها، الانتقال من الكم إلى النوع عبر تقديم منتجات عقارية متخصصة (للتقاعد، للسياحة الطبية، للتكنولوجيا العقارية.. إلخ)، مع خلق توازن حقيقي بين العرض والطلب لتفادي فقاعة سعرية مستقبلية نتيجة تضخم المشاريع، ودفع عجلة العقارات التجارية والصناعية لمواكبة ازدهار قطاعات الأعمال، خاصة في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المالية.

من الواضح أن دبي لا تنافس على صدارة خليجية فحسب، بل تكتب نموذجاً عالمياً في كيفية تحويل العقار من سلعة محلية إلى أصل استثماري دولي، لكن هذه الصدارة تضع على كاهلها مسؤوليات جديدة للتحكم بالسوق، وتحقيق استدامة طويلة المدى، وإن استمرّت دبي في مواكبة المتغيرات، والتركيز على التخصص والابتكار، فإننا لا نتحدث فقط عن مدينة تتصدر المنطقة الخليجية اليوم، بل عن مدينة سترسم قواعد اللعبة العقارية في المستقبل.