خلال شهري مايو ويونيو، اعتاد سارق متاجر متسلسل، متنكر في زي عامل يرتدي ملابس مميزة، دخول متجر «بوتس» في مدينة غلاسكو مراراً وتكراراً، ليملأ حقيبة يد كبيرة بعطور باهظة الثمن، ومعطرات ما بعد الحلاقة، ومجففات شعر. وتمكن اللص من سرقة بضائع تُقدر قيمتها بآلاف الجنيهات.
هذا مجرد مثال صارخ لمشكلة كبيرة تتفاقم يوماً بعد يوم. فقد أصبحت سرقة المتاجر آفةً تهدد قطاع التجزئة منذ أن أدى ارتفاع التضخم إلى تآكل القدرة الشرائية للمستهلكين في أعقاب الجائحة.
وسجل حجم سرقات المتاجر في المملكة المتحدة رقماً قياسياً بلغ 2.2 مليار جنيه استرليني العام الماضي، مع ارتفاع مستويات الجريمة وتزايد العنف والإساءة ضد الموظفين، وفقاً لبيانات القطاع في يناير.
وفي الولايات المتحدة، كانت سرقة المتاجر الجريمة الوحيدة المُبلغ عنها بمعدل أعلى في عام 2024 مقارنةً بعام 2023، حيث زادت بنسبة 14%، وذلك وفقاً لدراسة شملت 25 مدينة أمريكية أجراها مجلس العدالة الجنائية، وهو مجموعة بحثية.
وأكدت الشركات في المملكة المتحدة مراراً وتكراراً أن العصابات المنظمة تلعب دوراً بارزاً في جرائم التجزئة، حيث يستهدف اللصوص المتاجر بشكل منهجي وبصورة متزايدة.
وتشمل نسبة كبيرة من عمليات سرقة المتاجر سلعاً ثمينة مثل الأجهزة الإلكترونية والملابس الفاخرة ومستحضرات التجميل. وتُباع السلع المسروقة بانتظام في الأسواق السوداء أو المنصات الإلكترونية أو حتى في الخارج.
وبموازاة ذلك، تنتشر السرقات على نطاق أصغر، وخاصة سرقات البقالة وحليب الأطفال ومنتجات النظافة، ويعود ذلك جزئياً إلى أزمة غلاء المعيشة، وأيضاً للمساعدة في تمويل الإدمان.
واشتكى العديد من تجار التجزئة من أن ضعف إنفاذ القانون من قِبل الشرطة ذات الموارد المحدودة يشجع المجرمين والعصابات، ويسهم في تفشي وباء سرقة المتاجر على الرغم من وجود دلائل مبكرة على أن بعض مبادرات الشرطة الأخيرة لمكافحة هذا الأمر ناجحة.
وفي مواجهة أزمة متصاعدة، يقاوم تجار التجزئة، على جانبي المحيط الأطلسي، عبر تجهيز أنفسهم بمجموعة من تدابير مكافحة السرقة المتطورة تكنولوجيا لمنع سرقة المتاجر، والقبض على المجرمين، والحفاظ على سلامة العملاء والموظفين.
واستثمرت الشركات البريطانية 1.8 مليار جنيه استرليني العام الماضي في تدابير وتجهيزات مثل كاميرات المراقبة، وزيادة عدد أفراد الأمن، وأجهزة مكافحة السرقة، والكاميرات المثبتة على الجسم، مقارنة بـ1.2 مليار جنيه استرليني في العام السابق، وفقاً لاتحاد التجزئة البريطاني، الذي يمثل هذه الصناعة.
وتستخدم شركة «فيزيون» الناشئة، ومقرها باريس، خوارزميات التعلم الآلي لرصد حركات الجسم المشبوهة، مثل وضع العميل لشيء ما في معطفه أو فتحه للمنتجات. وتبدو بعض الإجراءات الجديدة أشبه بقصص الخيال العلمي.
فنقاط الدفع التي كانت تكتفي بمسح الرموز الشريطية، أصبحت الآن مزودة بـ«الرؤية الحاسوبية»، وهي شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي يمكنه تحديد المنتجات من خلال شكلها ولونها وتغليفها.
وذلك لمكافحة خدعة لصق رموز شريطية أرخص على المنتجات باهظة الثمن. كذلك تتم مراقبة الأرفف الموزونة مسبقاً في المتاجر الكبرى لتنبيه الموظفين في حال خروج كميات من المنتجات من على هذه الأرفف أكثر من المعتاد.
ولا تفحص الكاميرات في مواقف السيارات لوحات أرقام السيارات فحسب، بل تفحص أيضاً الألوان والخدوش والانبعاجات على المركبات الفردية، مما يمكن أن ينبه الموظفين إلى سرقات مشتبه بها في المتاجر الأخرى. كما أصبحت المراقبة الذكية، التي توفر إمكانية التعرف على الوجه للكشف عن المجرمين المتكررين المحتملين، أكثر شيوعاً.
ويقول رايان كلارك، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الأمن «سيفر جروب» ومقرها بورت غلاسكو، إن كبار تجار التجزئة «يأخذون السرقة على محمل الجد، وهم باتوا يخصصون أموالاً أكبر لمكافحتها وأعتقد أننا سنبدأ في رؤية ترجمة ذلك إلى أرقام.
وبالنسبة للعديد من تجار التجزئة، تحقق التكنولوجيات الجديدة بالفعل مكاسب ملموسة. وتقول «سامز كلوب»، وهي سلسلة مستودعات أمريكية مخصصة للأعضاء مملوكة لشركة «وولمارت»، إن نشر كاميرات تفحص عربات التسوق للتحقق من البضائع غير المدفوع ثمنها قد زاد من قدرات اكتشاف هذه العناصر بنسبة 17% مقارنةً بالفحوصات اليدوية.
لكن هذه المشكلة تبقى بعيدة كل البعد عن الحل. فالتحدي الذي يواجه تجار التجزئة يتجاوز مجرد القبض على اللصوص، إذ يتعين عليهم الموازنة بين الأمن وتجربة العملاء وخصوصيتهم. كما يتعين عليهم الموازنة بين تكلفة هذه التدخلات والخسائر الناجمة عن السرقة.
وتقول إيميلين تايلور، أستاذة علم الجريمة في سيتي سانت جورج، جامعة لندن، إن قطاع التجزئة منقسم حول مدى وضوح استراتيجيات منع الخسائر.
فبعض المتاجر ترغب بشدة في رؤية شاشات عرض عامة في الممرات، بينما تخشى شركات أخرى من إزعاج قاعدة عملائها من خلال الإيحاء بأنها تشير بأصابع الاتهام إلى الجميع.
وكما يقول المتخصص في علم الجريمة مارتن جيل، الذي تستعين شركته الاستشارية «بيربيتويتي» بسرقة متاجر سابقة لاختبار دفاعات تجار التجزئة، إن ظهور التقنيات الجديدة يُهدد بخلق سباق تسلح.
ويقول إنه بمجرد أن يتقدم أحد الطرفين، يسارع الطرف الآخر للتكيف، فمع تطور التقنيات وتغيرها، إلا أنها تخضع دائماً للاختبار من قِبل المجرمين.