«لا يوجد أحد داخل الشاحنة»، هكذا أخذ ستيرلنج أندرسون، الشريك المؤسس لشركة أورورا المتخصصة في الشاحنات ذاتية القيادة في الصياح، خلال مقابلة إذاعية مؤخراً، مضيفاً: «نحن لا نقدّم خدعة على طريقة ساحر أوز العجيب».
جاء هذا التصريح، بينما كانت الشركة تستعد لإطلاق خدمة توصيل تجارية تعتمد بالكامل على شاحنات ذاتية القيادة على الطريق الرابط بين مدينتي دالاس وهيوستن في ولاية تكساس.
وقد أراد أندرسون التأكيد على أن التقنية التي طورتها شركته ليست حيلة استعراضية، فخلافاً لقصة «ساحر أوز العجيب» الشهيرة، لن يكون هناك أي إنسان مختبئ خلف الستار ليتحكّم في قيادة الشاحنات.
وأعلنت شركة أورورا في مايو الماضي عن انطلاق خدمتها التجارية للشاحنات ذاتية القيادة بشكل رسمي، غير أن الشركة عادت بعد أسابيع قليلة لتكشف عن تطور مفاجئ، حيث طلبت شركة «باكار»، شريكتها في تصنيع الشاحنات وجود شخص على مقعد السائق، نظراً لاحتواء المنصة الأساسية للمركبة على بعض الأجزاء النموذجية الأولية، مشيرة إلى أنها «بعد دراسة مستفيضة، استجابت لهذا الطلب وقررت نقل المراقب - الذي كان يجلس في الخلف خلال بعض الرحلات - من المقعد الخلفي إلى المقعد الأمامي».
وعلى الرغم من تأكيد أورورا أن وجود هذا المراقب ليس ضرورياً لتشغيل الشاحنة بأمان، وأنه لن يتولى قيادة المركبة، إلا أن هذا التطور شكّل ضربة واضحة لطموح الشركة المتمثل في عدم وجود «أي شخص داخل الشاحنة».
فبعيداً عن المخاوف من أن يبدو الأمر وكأنهم «يقدمون خدعة على طريقة ساحر أوز»، فإن الجدوى الاقتصادية للاستثمار في الشاحنات ذاتية القيادة تتراجع بشكل كبير إذا استلزم الأمر دفع رواتب لأشخاص للجلوس في كل شاحنة.
ولا تُعد أورورا الشركة الوحيدة في قطاع المركبات ذاتية القيادة التي لم تستطع الاستغناء تماماً عن العنصر البشري، فحين دشنت تسلا خدمة التاكسي الآلي الشهر الماضي في مدينة أوستن بتكساس، كانت سياراتها مزودة بـ«مراقبين للسلامة» يجلسون في مقاعد الركاب.
وحتى خدمات سيارات الأجرة ذاتية القيادة الأكثر تطوراً، التي تخلو من أي وجود بشري داخل المركبة، ما زالت تعتمد على البشر خلف الستار، ففي الصين أطلقت بايدو سيارات أجرة آلية مزودة بـ«مشغلين بشريين عن بُعد» يمكنهم التدخل للسيطرة على السيارات عند الضرورة.
أما وايمو، فرغم أنها لا تعتمد على «سائقين عن بُعد»، إلا أنها توظف «وكلاء بشريين للاستجابة للأسطول»، حيث تحتفظ سيارات وايمو، في حال ارتباكها، بسيطرتها الذاتية لكن مع إمكانية طلب النصح من هؤلاء البشر.
والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان البشر يقودون بشكل سيئ (كما تزعم العديد من شركات السيارات ذاتية القيادة)، فلماذا لا تستطيع الآلات المتفوقة - نظرياً - العمل بدونهم؟ الحقيقة أن الآلات والبشر يتميزون بقدرات مختلفة، فالآلات لا تعاني من التعب أو الملل أو تأثير الكحول أو تشتت الانتباه، لكنها تجد صعوبة في التعامل مع «الحالات الاستثنائية» الواقعية التي تتطلب إدراكاً للسياق وحدساً بشرياً، مثل إيجاد أفضل مسار للالتفاف حول عائق على الطريق، أو فهم ما يحاول عامل بناء توصيله عبر إشارات ذراعية.
فضلاً عن ذلك، تقتضي معايير السلامة وجود نظام احتياطي في حال حدوث أي خلل تقني.
من هذا المنطلق، تستحق شركات المركبات ذاتية القيادة الإشادة لإبقائها على العنصر البشري، وهذا لا يعني أنها تحاول تقديم خدعة استعراضية، غير أنه يستوجب علينا معرفة المزيد عن الدور الفعلي لهؤلاء البشر وآلية عملهم.
وتكمن أهمية ذلك في أن الأنظمة المعتمدة على مزيج من الآلات والبشر قد تقع فريسة لمجموعة من المشكلات الموثقة علمياً، فالبشر المكلفون بمراقبة السلامة قد يعانون من ما يعرف بـ«الاستسلام للأتمتة»، وهي نزعة بشرية لفقدان التركيز عند الإشراف على أنظمة مستقلة.
كما قد يواجه السائقون عن بُعد صعوبات تقنية مثل مشكلات الاتصال وضعف الاستجابة.
ناهيك عن التساؤلات المتعلقة بالمسؤولية القانونية: فإذا قدم مشرف في مركز دعم ما توجيهات خاطئة لمركبة ذاتية أدت لحادث، فمن المسؤول قانونياً؟ هل هي الشركة المطورة للتكنولوجيا؟ أم الشركة المشغلة؟ أم الموظف نفسه؟ وماذا لو كان هذا الشخص في ولاية أخرى، أو حتى في بلد آخر؟
وفي هذا السياق، أكد بريانت ووكر سميث، الأستاذ المشارك في القانون بجامعة ساوث كارولينا، أن العبء يقع على عاتق شركات القيادة الذاتية لتوضيح طبيعة عملياتها بدقة وسبب اعتقادها بأمان هذه العمليات، مؤكداً أنه «يتوجب على الجهات الرقابية مساءلة الشركات عن كل تفصيل في هذا الشأن».
ومع ذلك، لا تزال العديد من الأدوار البشرية غامضة، فحين وجهت قائمة أسئلة أساسية إلى شركات وايمو وتسلا وأورورا، كانت وايمو الوحيدة التي استجابت، لكن الشركة رفضت الكشف عن عدد العاملين في فريق الاستجابة لأسطولها.
وأوضحت أنهم يعملون لدى شركة كوغنيزانت المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات، وأنهم يحملون تراخيص قيادة، وأن مقراتهم «موزعة بين أريزونا وميشغن، بالإضافة إلى موقع خارجي».
وعند استفساري عن خطوط المساءلة، أكدت الشركة أنه «في حال تسبب إحدى مركبات وايمو في اصطدام نتج عنه أضرار مادية أو إصابات، فإن وايمو ستتحمل المسؤولية المترتبة عليها قانوناً».
وهكذا، لا ينبغي النظر إلى استمرار اعتماد السيارات ذاتية القيادة على دعم بشري خلف الكواليس باعتباره إشكالية، لكن في المقابل، لا يجب إبقاء هذه الأدوار طي الكتمان. وقد آن الأوان للهيئات التنظيمية أن تكشف الستار عن هذه الحقائق.