الأربعاء 3 سبتمبر 2025 - 10:53:47 ص

صناعة السيارات.. هل تسلك مسار الهواتف الذكية نفسه برمجياً؟

صناعة السيارات.. هل تسلك مسار الهواتف الذكية نفسه برمجياً؟

دبي، الإمارات العربية المتحدة:

قبل نحو عشر سنوات، بدأت شركة «تويوتا» في استقطاب العشرات من الخبراء القادمين من «غوغل» وغيرها من عمالقة التكنولوجيا، في إطار تحول استراتيجي من التركيز على تطوير العتاد إلى الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والبرمجيات، وسط ضجيج إعلامي كبير وتوقعات متصاعدة. 

 

وقال غيل برات، الرئيس التنفيذي لمعهد أبحاث «تويوتا»، خلال مشاركته في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية عام 2016: لقد تغير الزمن، وأصبحت البرمجيات والبيانات عناصر أساسية في استراتيجية «تويوتا» المستقبلية للتنقل.

 

وخلال السنوات التالية، عززت «تويوتا» – التي تعد أكبر شركة سيارات في العالم من حيث المبيعات – طموحاتها عبر السعي لتطوير نظام حوسبة مركزي قادر على التحكم في كل شيء: من ناقل الحركة والفرامل والتوجيه وأقفال الأبواب، وصولاً إلى أنظمة المساعدة على القيادة وأنظمة الترفيه داخل المقصورة.

 

وكانت «تويوتا» من بين عشرات شركات السيارات ذات الأسماء العريقة التي تخوض سباقاً محموماً لتطوير مركبات معرفة برمجياً، على غرار تلك التي تنتجها «تسلا» وجيل جديد من الشركات الصينية المصنعة للسيارات.

 

غير أن «مؤشر شركات السيارات الرقمية» السنوي الذي تصدره «غارتنر»، والذي يقارن بين شركات السيارات من حيث قدرتها على تحقيق العوائد من برمجياتها، يكشف أن المجموعات التقليدية في أوروبا والولايات المتحدة واليابان لا تزال تقبع في مؤخرة السباق بعيداً عن الوافدين الجدد.

 

واستحوذت «تسلا» والعلامات التجارية الصينية، بما فيها «نيو» و«شاومي» و«إكس بنج»، على المراكز الخمسة الأولى في تصنيف 2025، بينما حلت «جنرال موتورز» في المرتبة التاسعة، و«مرسيدس - بنز» في المرتبة الثالثة عشرة، و«تويوتا» في المركز الحادي والعشرين.

 

ويقول تسوغوو نوبه، المدير التنفيذي السابق في «إنتل» و«نيسان»: عدد قليل جداً من صانعي السيارات التقليديين في موقع يؤهلهم لمنافسة شركات مثل «تسلا»، و«ريفيان»، وأبرز شركات السيارات الكهربائية الصينية عندما يتعلق الأمر ببناء نظام تشغيل شامل للسيارات.

 

وحذر المحللون من أن صناعة السيارات ستتجه على الأرجح في المسار ذاته الذي سلكته الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر الشخصية، حيث ستهيمن في نهاية المطاف حفنة من أنظمة التشغيل مثل «آي أو إس» و«أندرويد» على فضاء البرمجيات.

 

وأضافوا: إن هذا التحول من شأنه أن يحدث تغييراً جوهرياً في آلية عمل القطاع، بعيداً عن نموذج الأعمال التقليدي القائم على التصميم والتصنيع والبيع - والذي يتسم بهيمنة الهندسة الميكانيكية وهوامش ربح ضئيلة نسبياً - باتجاه البرمجيات والخدمات.

 

وتسعى «تويوتا» ونظيراتها إلى استثمار هذا التوجه في توليد مصادر دخل جديدة في ظل تحول الصناعة صوب السيارات الكهربائية ذاتية القيادة.


وقد بدأت الاستثمارات في القطاع بالفعل تتحول من التركيز على تطوير المحركات والتصميم الخارجي إلى أنظمة الحوسبة التي تتحكم في كل شيء، بدءاً من البطاريات ووصولاً إلى ميزات السلامة، وفي نهاية المطاف إلى وظائف القيادة الذاتية.

 

بيد أنه عندما تجمع الموظفون والمحللون والصحفيون في قاعة مظلمة بضواحي طوكيو لمشاهدة ثمار جهود «تويوتا» التي امتدت لسنوات، جاءت ردود الفعل باهتة ومخيبة للآمال.

 

ومن المقرر أن تقتصر منصة البرمجيات الخاصة بتويوتا، المعروفة باسم «أرين»، على تشغيل نظام المعلومات والترفيه وتقنيات السلامة المتطورة في سيارتها الرياضية متعددة الأغراض «راف4» المزمع إطلاقها أواخر العام الجاري، بينما يكتنف الغموض الموعد النهائي لاستكمال النظام المتكامل بشكل شامل، رغم إعلان «تويوتا» عزمها دمجه في الجيل المقبل من مركباتها الكهربائية المعتمدة على البطاريات.

 

وبدا أن مسؤولي «تويوتا» أنفسهم يقرون أن الإصدار الأول من النظام يقف بعيداً عن إحداث تحول جذري في الصناعة، فقد صرح جون أبسماير، كبير مسؤولي التكنولوجيا في «ووفن باي تويوتا» - ذراع الشركة المتخصصة في تكنولوجيا التنقل - قائلاً: «إنها ليست قفزة هائلة».

 

وبعد أسابيع معدودة، تجاوز أحد مهندسي البرمجيات في «ووفن» حدود النقد المتحفظ، حين وصف لصحيفة فاينانشال تايمز منصة «أرين» بأنها «فظيعة» ومليئة بالعيوب البرمجية، وليست نظام تشغيل متكاملاً بالمعنى الحقيقي، بل مجرد حزمة من الأدوات المتناثرة.

 

وتتشارك العديد من شركات صناعة السيارات المعاناة ذاتها التي تكابدها «تويوتا»، حيث لجأت شركات مثل «فولكسفاغن» و«رينو» و«مرسيدس - بنز» إلى عقد شراكات استراتيجية مع كبرى شركات التكنولوجيا لتسريع عجلة التحول الرقمي لمركباتها.

 

غير أن هذه التحالفات أفرزت بدورها توترات مستجدة مع عمالقة التقنية مثل أبل وجوجل وآخرين، حيث تخوض شركات السيارات صراعاً محتدماً مع هذه الشركات العملاقة للاستئثار بالسيطرة على بيانات المركبات ووسائل الترفيه داخل المقصورة وجوانب أخرى حيوية من تجربة القيادة.

 

وفي هذا السياق، يقول إيزومي كاوانيشي، رئيس «سوني - هوندا موبيليتي» - المشروع المشترك الذي تأسس 2022: المصنعون التقليديون للمعدات الأصلية يجدون أنفسهم حتماً مكبلين بإرثهم التاريخي المرتكز على العتاد المادي. ومن هذه النقطة، يصبح الانتقال إلى تطوير قائم على البرمجيات في المقام الأول مهمة بالغة الصعوبة.

 

واتكأت مساعي «تويوتا» في تطوير البرمجيات على استقطاب كفاءات مرموقة، على رأسها جيمس كوفنر، الذي شغل منصب رئيس قسم الروبوتات في جوجل سابقاً، وكان أحد القيادات المحورية في مشروع السيارات ذاتية القيادة بالشركة الأمريكية.

 

وفي 2018، تولى كوفنر منصب الرئيس التنفيذي لما بات يعرف الآن باسم «ووفن». إلا أنه وبعد قيادته مسيرة تطوير منصة «أرين»، فاجأ الجميع باستقالته المباغتة عام 2023، ليحل محله مسؤول تنفيذي قادم من إحدى الشركات التابعة لمورد «تويوتا» الرئيسي «دينسو».

 

ويقول بعض المشاركين في المشروع إن المهندسين الذين تم استقطابهم من الخارج، والذين اعتادوا على وتيرة العمل السريعة في «وادي السيليكون»، شعروا بالإحباط من ثقافة «تويوتا» المحافظة القائمة على توافق الآراء وبطء اتخاذ القرار.

 

ويقر أحد المسؤولين التنفيذيين السابقين في «تويوتا» بأنه: «عند حدوث تحولات جذرية في نماذج الهندسة، تكون هناك دائماً تضحيات لا بد منها.

 

ونحن نشهد اليوم تحولاً يحدث مرة كل مئة عام في طريقة تصنيع السيارات». ويضيف: كون اليابان محافظة بطبيعتها هو سلاح ذو حدين.


فمن جهة، الحذر وقلة المخاطرة أمر جيد من منظور سلامة المنتجات، لكنه في الوقت نفسه يعيق الابتكار السريع.

 

وتتكرر القصة ذاتها مع «فولفو للسيارات»، إحدى الشركات الأوروبية الرائدة في طرح مركبات كهربائية مجهزة ببرمجيات متطورة ورقائق مصممة من قبل «إنفيديا» تتيح تحديث البرمجيات عبر السحابة الإلكترونية.

 

ففي 2022، استقدمت فولفو جيم روان، الرئيس التنفيذي السابق لشركة «دايسون»، ليتولى دفة القيادة التنفيذية.


وقد رأى لي شوفو، رئيس مجلس إدارة «فولفو» وشركتها الأم الصينية «جيلي»، أن المرحلة تستدعي رئيساً تنفيذياً من خارج قطاع السيارات التقليدي ليشرف على عملية التحول الرقمي.


غير أن مسار تطوير نظام الحوسبة المركزي الجديد لطرازها الرائد «إي إكس 90» اصطدم بعقبات التأخير والتكاليف المتضخمة، ما يبرز حجم التحديات التي تواجهها حتى الشركات التي استعانت بكفاءات خارجية مستقطبة من «تسلا» وغيرها من عمالقة التكنولوجيا لتعزيز قدراتها البرمجية.

 

ومع نهاية مارس، أعلنت «فولفو» عن رحيل جيم روان وعودة الرئيس التنفيذي السابق هوكان سامويلسون لقيادة دفة السفينة وسط حالة من عدم اليقين بسبب الرسوم الجمركية الأمريكية على السيارات، والتكاليف الباهظة للتحول نحو السيارات الكهربائية.

 

وأوضحت الشركة أن هذا القرار يستند إلى «الخبرة الصناعية العميقة» التي يمتلكها سامويلسون ومعرفته المتعمقة بالشركة.


بيد أن مصادر وثيقة الصلة بالشركة تكشف أن سامويلسون، الذي سيتولى المنصب لفترة محددة بعامين، عاد لإنقاذ مجموعة «غارقة» تحت وطأة تكاليف تطوير هائلة لسيارة «إي إكس 90» ومنظومتها البرمجية.


وقد سارع فور عودته إلى الإعلان عن استغناء الشركة عن 3000 موظف على مستوى العالم، إلى جانب تحمل خسائر لمرة واحدة بلغت 1.2 مليار دولار، نجمت بشكل رئيسي عن تأخر إطلاق «إي إكس 90» لمدة عامين.

 

وفي مقابلة صحفية، حذر سامويلسون من أن الشركة قد تواجه أخطاء برمجية جديدة مستقبلاً، رغم الجهود المبذولة لتقليل تعقيد البرمجيات وتعزيز معايير الاختبار.

 

وقال لصحيفة فاينانشال تايمز: «ستظل مخاطر ظهور عيوب برمجية قائمة دوماً عند إدخال برمجيات جديدة، لكن في العامين الماضيين وصلنا إلى مستوى من الأخطاء لا يمكن قبوله من قبل العملاء، وهذا ما عملنا على معالجته بشكل مكثف».