الجمعة 10 أكتوبر 2025 - 11:39:56 ص

الاحتيال في العملات المشفرة ليس مجرد مشكلة بل «جوهر الأمر»

الاحتيال في العملات المشفرة ليس مجرد مشكلة بل «جوهر الأمر»

دبي، الإمارات العربية المتحدة:

قدم دونالد ترامب الابن إجابة رائعة للصحفيين الذين سألوا عما إذا كان هناك - ربما - أي تداخل أخلاقي بين مشروع عائلته في مجال العملات المشفرة «وورلد ليبرتي فاينانشال»، والحكومات الأجنبية أو غيرها من الجهات الفاعلة التي تأمل في الحصول على معاملة خاصة من رئيس الولايات المتحدة.

 

وقال في تصريحات لشبكة «سي إن بي سي» خلال مؤتمر «توكين 2049» للعملات المشفرة في سنغافورة: «لا أعتقد أن أحداً يصدق أن والدي أو والد (زاك ويتكوف) سينظران في سجلات سلسلة الكتل «البلوك تشين» لمعرفة من اشترى ماذا، وأن ذلك يمكن أن يحمل أي نوع من المحسوبية»، في إشارة إلى الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة وستيف ويتكوف، والد الرئيس التنفيذي للشركة ومبعوث ترامب الخاص إلى الشرق الأوسط.

 

وأضاف: إن فكرة وجود أي تضارب في المصالح «محض هراء».

 

بناءً على ما ذكره الابن الأكبر للرئيس الأمريكي، فإن فكرة أن دونالد ترامب سيكلف نفسه عناء البحث عمن قد يضخ مبالغ طائلة في الشركة المدعومة من عائلته - فأبناؤه الثلاثة جميعهم من مؤسسي شركة «وورلد ليبرتي فاينانشال»، وهو «مؤسس مشارك فخري»، وتمتلك العائلة مليارات الدولارات من عملتها الرقمية المشفرة، «دبليو إل إف آي»- فكرة سخيفة.

 

بالطبع، قد يجادل البعض بأن أي شخص يطلب معروفاً من ترامب يمكنه ببساطة إخباره بأنه يستثمر أمواله في أحد مشاريعه المشفرة لتجنب اضطراره إلى «الاطلاع على سجلات البلوك تشين»، لكن هذه ستكون مجرد تكهنات خبيثة!

 

علاوة على ذلك، في حين أن مليارات الدولارات من صافي ثروة ترامب قد تأتي الآن من ثروة البلوك تشين الوفيرة، فقد اعترف الرئيس بالفعل بأنه لا يعرف الكثير عن العملات المشفرة.

 

بالتأكيد، «لكنني لا أفهم التكنولوجيا» قد تكون عذراً وجيهاً. لذا، دعونا نتجاوز الأمر ولنمضي قدماً، من فضلكم، فلا يوجد شيء يستحق أن نراه هنا. لكن اسمحوا لي أن استعرض بعض الامور في هذا السياق، فقد حدثت تطورات مثيرة للاهتمام تثير تساؤلات حول مدى إدراك ترامب لمسألة «من اشترى ماذا».

 

لقد قامت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية بتعليق تحقيق حول احتيال من جانب شركات جاستن صن، حيث قدمت الهيئة وصن طلباً مشتركاً يطلبان فيه إيقافاً مؤقتاً لبحث إمكانية الوصول إلى حلٍ محتمل.

 

وجاء ذلك بعد أن أشار ترامب إلى رغبته في تنظيم أكثر مرونة للعملات المشفرة. ويبدو بهذه المناسبة أن ملياردير العملات المشفرة قد اشترى عملات مشفرة أصدرها ترامب بقيمة تزيد على 90 مليون دولار.

 

كذلك فقد استضاف ترامب عشاءً لكبار مشتري عملة الميمكوين التي تحمل اسم «ترامب»، والتي استخدم منصته «تروث سوشال» للترويج لها: «أنا أحب عملة ترامب.. إنها رائعة جداً!!! هي أعظمها جميعاً».

 

وقد حقق الرئيس الأمريكي بالفعل ما لا يقل عن 350 مليون دولار من إطلاق العملة، التي انخفضت قيمتها بأكثر من أربعة أخماس منذ ذلك الحين. فكيف يمكن تفسير ذلك، وهل هي مجرد صدفة أن يكون كل هذا مرتبطاً بالعملات المشفرة؟ أم ببساطة أبناؤه شغوفون بها فقط؟!

 

إن من أهم مزايا هذه التقنية أن قلة قليلة من الناس يفهمون آلية عملها (وبطبيعة الحال، كما رأينا، بعض من يجنون منها مبالغ طائلة).

 

في استطلاع رأي أجرته مؤسسة غالوب في يوليو، بينما قالت غالبية كبيرة من الأمريكيين إنهم سمعوا عن العملات المشفرة، وقال 35% فقط إنهم «يعرفون عنها بعض الأشياء».

لكن عموماً يكون من الأسهل كثيراً خداع شخص ما عندما تكون عيناه قد غشيتا تماماً، بعد أن أمضى أحد خبراء العملات المشفرة 10 دقائق وهو يمجد عجائب هذا الأمر.

 

إن العملات المشفرة بحد ذاتها قد تكون هي الغرب المتوحش في عالم التمويل، حيث يعد استغلال الثغرات التنظيمية وتجاوز الضوابط هو جوهر اللعبة.

 

وسيحتج الخبراء بأن «البلوك تشين» هي قاعدة بيانات مشتركة شفافة حيث تكون المعاملات متاحة للرؤية بوضوح.


ولكن بينما قد يكون هذا صحيحاً جزئياً، فإن ما لن يخبروك به هو أن الأطراف المعنية مرئية فقط كسلاسل من الأرقام والحروف، وأن المطلعين على الأمر يستخدمون «خلاطات» العملات المشفرة وعملات الخصوصية (وهي العملات الرقمية مجهولة الهوية) لخلطها معاً حتى تصبح المعاملات غير قابلة للتتبع بشكل أساسي.

 

إنني أكاد أجزم أن التشفير لم يكن يوماً يتعلق بالابتكار، بل يتعلق بالإفلات من العقاب بأشياء لن يكون من الممكن فعلها لولا ذلك.

 

والأمر لا يقتصر على الولايات المتحدة: فبينما حظرت أيرلندا التبرعات السياسية بالعملات المشفرة، أصبح حزب الإصلاح بزعامة نايجل فاراج أول حزب بريطاني كبير يقبلها، ما فتح الباب أمام جميع أنواع الجهات الفاعلة لممارسة النفوذ السياسي.


لقد صممت العملات المشفرة لهذا الغرض. وقد بات واضحاً أن المعاملات المشبوهة ليست مجرد مشكلة، بل هي الهدف الأساسي.