الأثنين 13 أكتوبر 2025 - 06:25:35 ص

أمريكا تبتلع النمو والاستثمارات من بقية العالم

أمريكا تبتلع النمو والاستثمارات من بقية العالم

دبي، الإمارات العربية المتحدة:

ما الذي يحدث لاستثمارات الأعمال في أمريكا؟ قبل عقد، عندما بات الاستثمار الرأسمالي ضعيفاً بشكل مؤسف، كان الاقتصاديون يطرحون هذا السؤال بقلق واضح، لكن لم يعد الأمر كذلك بالمرة.

 

فالهوس الحالي بالذكاء الاصطناعي يسهم في استقطاب مستويات مذهلة من الاستثمارات التكنولوجية، لدرجة أن الإنفاق الرأسمالي أصبح المحرك الرئيسي للنمو الأمريكي خلال المرحلة الأخيرة.

 

لذلك، لم يكن من المستغرب أن يتفاخر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بذلك منذ أيام، فقد أعلن الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض عن 8.8 تريليونات دولار من تعهدات الاستثمار الجديدة - أي ما يعادل ربع قيمة الاقتصاد الأمريكي تقريباً.

 

وكانت السعودية وقطر والإمارات واليابان أعلنت عن جزء كبير من هذا المبلغ - بإجمالي 4.2 تريليونات دولار، كما وعدت شركات مثل أبل وإنفيديا بإنفاق رأسمالي لا يقل عن 500 مليار دولار، لكل منها. وكذلك فعلت «شركات تكاد تكون مجهولة من الاتحاد الأوروبي».

 

لكن هل هذا حقيقي؟ الإجابة ليست سهلة، فبيانات تدفقات الاستثمار معروف عنها تفاوتها وتأخرها. ومع ذلك، إذا دققنا في مصادر مثل بيانات «إف دي آي إنتيليجانس» - المجموعة المملوكة لصحيفة فاينانشال تايمز، والاحتياطي الفيدرالي.

 

ومعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، وتقرير لماكينزي، فسنحصل على «نعم» و«لا». لأن هناك على الأقل أربع نقاط بارزة يجب ملاحظتها بشأن الاستثمار الأجنبي المباشر:

 

أولاً: من شبه المؤكد أن مبلغ الـ 8.8 تريليونات دولار الذي أعلنه ترامب مبالغ فيه. فكما تشير أوليفيا وايت من ماكينزي، فتاريخياً، نحو ثلثي تعهدات الاستثمار الأجنبي المباشر فقط تصبح مشاريع حقيقية، وقد يكون العجز هذه المرة أكبر، لأن دولاً مثل اليابان قدمت تعهدات تحت الإكراه (لتجنب الرسوم الجمركية) وقد لا تمضي قدماً.

 

ويقول معهد بيترسون: «قد تعزز جهود ترامب التدفقات الداخلة إلى الولايات المتحدة فوق المستويات المسجلة عامي 2023 و2024، وربما تقترب هذه التدفقات من 400 مليار دولار في عام 2025، ما يعني أنها لن ترقى إلى المستوى المطلوب».

 

وحتى مع الأخذ في الاعتبار تعهدات رأس المال الضخمة لشركات التكنولوجيا الكبرى أخيراً - والتي تبلغ قيمتها 300 مليار دولار فقط من أمازون وميتا ومايكروسوفت وألفابت - فإن هذا لا يقترب بالمرة من 8 تريليونات دولار.

 

ومع ذلك، فإن النقطة الرئيسية الثانية هي: إن «400 مليار دولار فقط» من الاستثمار الأجنبي المباشر تشير مع ذلك إلى تحول مذهل، ففي العقود الأخيرة، تجاوز الاستثمار الأجنبي المباشر الصادر من أمريكا التدفقات الواردة بوضوح، لأن الشركات الأمريكية كانت تبني مرافق تصنيع في مواقع أرخص بما في ذلك الصين.

 

ومع ذلك، تشير حسابات «إف دي آي إنتيليجنس» إلى أنه في ولاية ترامب الثانية «بلغت نسبة الواردات إلى الصادرات 41.4 %»، وهو ثاني أعلى رقم منذ أكثر من 20 عاماً.

 

وبالتالي «تحولت الولايات المتحدة بوضوح إلى وجهة للاستثمار مثلما هي مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر». ولكي نكون منصفين، فقد بدأ هذا قبل هذه الإدارة.


حيث أحدث قانون جو بايدن لخفض التضخم طفرة ملحوظة في الاستثمار خصوصاً في مجال تصنيع التكنولوجيا الخضراء، والتي يقوم ترامب الآن بتفكيكها جزئياً. لكنه في الوقت نفسه عازم على جذب النمو من بقية العالم خصوصاً من أوروبا.

 

ثالثاً: يتغير دور الصين في الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي بسرعة تقارب سرعة التحول الذي تشهده أمريكا. فقد كانت الصين تجتذب تدفقات واردة أكثر بكثير من التدفقات الخارجة.

 

ومع ذلك، تعتقد ماكينزي أن الاستثمار الغربي في الصين انخفض بنسبة 70 % منذ عام 2022. كما انخفضت نسبة الاستثمارات الواردات مقارنة بالخارجة إلى 30 % خلال عهد ترامب - ما يعني أن الصين «تصدر الآن رأس مال استثمار أجنبي مباشر أكثر بكثير مما تستقطبه»، وفقاً لحسابات «إف دي آي»، يعكس هذا الأمر الأوضاع الجيوسياسية.


حيث تستثمر الدول الغربية في بعضها البعض بينما تستثمر الصين في الأسواق غير الغربية (وإلى حد ما في أوروبا). وباختصار، من الواضح أن الأصدقاء يجتمعون معاً.

 

رابعاً: كانت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر مدفوعة في السابق بشركات غربية تسعى إلى تصنيع أرخص للسلع الاستهلاكية، لكن منذ عام 2022، ذهبت ثلاثة أرباع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديد إلى صناعات «تشكل المستقبل» مثل البنية التحتية الرقمية والتكنولوجيا الخضراء، وفقاً لماكينزي.

 

وبالتالي، فإن «مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر المعلن عنها منذ عام 2022 قد تزيد الطاقة الإنتاجية الحالية للبطاريات خارج الصين بأربعة أضعاف، وتضاعف تقريباً سعة مراكز البيانات العالمية التي تشغل الذكاء الاصطناعي، وتدخل الولايات المتحدة إلى دائرة الدول الرائدة في إنتاج أشباه الموصلات»، وهذا مثير للكثير من الخوف.

 

وقد يشكك بعض المتشائمين في هذا التوقع المتفائل، فأمريكا لا تمتلك حالياً ما يكفي من العمالة المدربة لتشغيل مصانع التكنولوجيا المتقدمة.

 

وقد أثارت الهجمة الأخيرة على مصنع هيونداي في جورجيا قلق المستثمرين. كما أن الرسوم الجمركية ترفع تكلفة الاستثمار، كما أن هناك مشكلة أخرى: الانفجار في الإنفاق الرأسمالي المرتبط بالذكاء الاصطناعي مفرط لدرجة أنه يبدو من غير المرجح أن يحقق العوائد التي يتوقعها المستثمرون.

 

والأسوأ من ذلك، أن تقييمات شركات مثل إنفيديا و«أوبن أيه آي» ترتفع بسبب التدفقات المالية الدائرية الخطيرة. وهذا يفاقم مخاطر انهيار السوق في المستقبل، ما قد يؤدي إلى تراجع تعهدات الاستثمار.

 

لكن إلى أن يحدث ذلك، فإن النقطة الأساسية هي: إن دور أمريكا في لعبة الاستثمار الأجنبي المباشر العالمية يتغير - بسرعة - وبطريقة تحتاج إلى إقرار أوسع. لذلك، سواء أكنت تحب ترامب أم تكرهه، فقد يكون هذا أهم إرث خلفه خلال ولايته حتى الآن.