في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي، ودخول النماذج لعوامل الحسابات والاستشارات المالية بشكل كبير، تزايدت المخاوف حول مستقبل المستشارين الماليين، وبات التساؤل الأكثر إلحاحاً هل يحل وكلاء الذكاء الاصطناعي محل المستشارين الماليين وكيف سيكون المستقبل في القطاع المالي؟
محمود اسماعيل، رئيس فريق العمل ورئيس الاستحواذ والقبول والعمليات للشرق الأوسط وأفريقيا في شركة "أدين" أكد لـ"البيان"، أن وكلاء الذكاء الاصطناعي لن يحلوا محل المستشارين الماليين بشكل كامل، مشدداً على أن المستقبل يكمن في نموذج "الإنسان مع الآلة" الهجين الذي يدمج بين الخبرة البشرية والتقنيات الرقمية.
وفيما يتعلق بإمكانية حلول وكلاء الذكاء الاصطناعي محل المستشارين الماليين، أوضح اسماعيل أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تتفوق في معالجة البيانات الضخمة والمهام الروتينية مثل الاستعلام عن الأرصدة وجدولة المدفوعات، وحتى تقديم توصيات استثمارية أساسية. ومع ذلك، أشار إلى أن العملاء سيظلون بحاجة ماسة إلى الخبرة البشرية في التخطيط المالي المعقد والمواقف التي تتطلب تعاطفاً وفهماً ثقافياً، وهو ما يحظى بقيمة عالية في العلاقات المصرفية في دولة الإمارات.
وأفاد بأن البيانات التي لديهم تشير إلى تفضيل العملاء لنموذج يتكامل فيه دور التكنولوجيا والمستشار البشري، مؤكداً أن المؤسسات المصرفية الأكثر نجاحاً ستكون تلك التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتعزيز قدرات مستشاريها وتمكينهم من التركيز على بناء علاقات قوية مع العملاء وتقديم قيمة أكبر. وخلص إلى أن المسألة ليست "الإنسان ضد الآلة"، بل "الإنسان مع الآلة"، وهو النهج الذي يمنح الشركات ميزة تنافسية ويؤسس لعلاقات مستدامة.
إدارة المدفوعات اليومية
وعن مدى اقتراب وكلاء الذكاء الاصطناعي من تولّي إدارة المدفوعات اليومية للعملاء في دولة الإمارات، توقع اسماعيل أن يتم ذلك على نطاق واسع خلال عامين إلى ثلاثة أعوام فقط، تليها قدرات أكثر تطوراً. واستشهد بدراسة لشركة Salesforce أظهرت أن 80% من المؤسسات في دولة الإمارات تخطط لاستخدام وكلاء الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2027، مقارنة بـ 32% حالياً.
ولفت إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية قادرة على رصد الاحتيال وتحليل أنماط الإنفاق وتوقع الاحتياجات النقدية، بينما تكمن المرحلة التالية في تمكين هذه الأنظمة من العمل تلقائياً نيابة عن العملاء، مثل إلغاء الاشتراكات غير المستخدمة أو اختيار أفضل وسيلة دفع للحصول على مكافآت.
وأشار إلى أن دولة الإمارات تُعد من أكثر الدول استعداداً لهذا التحول بفضل معدل انتشار الهواتف الذكية المرتفع (نحو 97% في 2024)، والانتشار الواسع للمدفوعات الرقمية، والدعم الحكومي القوي لمبادرات الذكاء الاصطناعي.
بناء الثقة والأطر التنظيمية
وفيما يخص الضوابط والتشريعات المطلوبة لبناء الثقة في استخدام وكلاء الذكاء الاصطناعي في المجالات الحساسة كالاستشارات المالية، أكد رئيس "أدين" أن الثقة هي الركيزة الأساسية، مشيراً إلى ثلاثة مستويات متكاملة للحماية:
1. الشفافية: يجب أن يعرف العميل الخدمات المقدمة من الذكاء الاصطناعي، والبيانات المستخدمة، وكيفية اتخاذ القرارات.
2. المساءلة: يجب وضع هياكل واضحة للمسؤولية تشمل التأمين وبرامج التعويض في حال توصية النظام بخسارة مالية. ولهذا السبب، تتعاون "أدين" وشركاء آخرون على تطوير بروتوكول المدفوعات عبر الوكلاء لترسيخ الأمان والثقة.
3. الرقابة والتنظيم: دعا إلى وضع معايير لحوكمة البيانات وضمان عدالة الخوارزميات والحد من التحيز، مثنياً على الخطوة الاستباقية لمصرف الإمارات المركزي في إصدار إرشادات حول استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاع المالي. وأكد على أهمية الرقابة البشرية كعنصر أساسي، خاصة في القرارات المالية المهمة.
التخصيص والحفاظ على الخصوصية
وفي معرض حديثه عن كيفية تقديم وكلاء الذكاء الاصطناعي مستويات عالية من التخصيص مع الحفاظ على خصوصية بيانات العملاء، بيّن اسماعيل أن الحل يكمن في "التخصيص مع الحفاظ على الخصوصية"، مشيراً إلى أن النموذج القديم لجمع البيانات وتخزينها مركزياً أصبح غير صالح.
وكشف عن الاتجاه نحو تقنيات متقدمة مثل "التعلم الموحد" (Federated Learning)، حيث تتعلم نماذج الذكاء الاصطناعي دون الوصول إلى المعلومات الشخصية أو تخزينها. كما تحدث عن "الخصوصية التفاضلية" (Differential Privacy) التي تُدخِل قدراً محسوباً من العشوائية في البيانات للحفاظ على الأنماط العامة مع جعل التعرف على أصحاب البيانات مستحيلاً، بالإضافة إلى زيادة استخدام المعالجة على جهاز العميل نفسه بدلاً من التخزين السحابي.
وختم بالقول إن هذه التقنيات التي تراعي الخصوصية تؤدي غالباً إلى تعزيز مستوى التخصيص، فزيادة ثقة العملاء بحماية بياناتهم تعني انفتاحاً أكبر على خدمات الذكاء الاصطناعي، ما يثمر عن تجارب أكثر دقة وفائدة.
وفيما إذا كانت دولة الإمارات تمتلك الأطر التنظيمية اللازمة لقيادة تبنّي وكلاء الذكاء الاصطناعي في قطاع المدفوعات، أكد اسماعيل أن الإمارات تتمتع بمكانة قوية واستثنائية، وهي من أكثر الأسواق استعداداً عالمياً لتبني هذه الأنظمة.
وأشار إلى أن النهج التنظيمي للدولة يُعد من بين الأكثر تطوراً وابتكاراً عالمياً، ويظهر ذلك في "استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي" وإنشاء وزارة متخصصة، إلى جانب الأطر التنظيمية الشاملة التي وضعها المصرف المركزي. وأشاد ببرامج الحاضنات التجريبية التي أطلقها المصرف المركزي بالتعاون مع سوق أبوظبي العالمي ومركز دبي المالي العالمي، والتي تتيح للشركات اختبار حلول الذكاء الاصطناعي في بيئات خاضعة للرقابة، مما يضمن تطور الأطر التنظيمية بالتوازي مع التكنولوجيا.