خسرت أسواق العملات المشفرة أكثر من تريليون دولار خلال الأسابيع الستة الماضية، بعدما أدت المخاوف بشأن الارتفاع المفرط لتقييمات شركات التكنولوجيا ومسار أسعار الفائدة الأمريكية إلى موجة بيع مكثفة في الأصول المضاربية.
وانخفضت القيمة السوقية الإجمالية لأكثر من 18.000 عملة، تتابعها مزودة البيانات «كوين جيكو» بنسبة 25% منذ ذروة السوق في 6 أكتوبر، ما أدى إلى محو حوالي 1.2 تريليون دولار من قيمتها السوقية المجمعة.
وانخفض سعر البتكوين بأكثر من 28% خلال الفترة نفسها ليصل إلى 89.500 دولار، تاركاً أكبر عملة مشفرة في العالم عند أدنى مستوى لها منذ أبريل.
ويقول المحللون إن خسائر المتداولين في رهانات الرافعة المالية عالية المخاطر خلال الشهر الماضي قد عجلت من وتيرة البيع. وأثرت موجة البيع المكثفة على أسواق الأسهم أيضاً، حيث انخفضت الأسواق الآسيوية أمس عقب الانخفاضات التي شهدتها الولايات المتحدة في اليوم السابق.
وأغلق مؤشر هانغ سنغ في هونغ كونغ على انخفاض بنسبة 1.7%، وانخفض مؤشر نيكاي 225 الياباني، الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا، بنسبة 3.2%، ومؤشر كوسبي الكوري الجنوبي بنسبة 3.3%.
كما تراجعت الأسهم الأوروبية، حيث انخفض مؤشر ستوكس أوروبا 600 الإقليمي بنسبة 1.2%، وانخفض مؤشر فوتسي 100 بنسبة 1.1%. وأشارت العقود الآجلة إلى مزيد من الانخفاضات في وول ستريت، بنسبة 0.2% لمؤشر ستاندرد آند بورز 500، و0.3% لمؤشر ناسداك 100، الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا.
يمثل انخفاض سوق الأصول الرقمية تراجعاً كبيراً لقطاع كان قد ارتفع سابقاً إلى مستويات قياسية بفضل تعهد الرئيس دونالد ترامب بجعل الولايات المتحدة «قوة بتكوين عظمى» في العالم. كما قام بتعيين رئيس مؤيد للعملات المشفرة في هيئة الأوراق المالية والبورصات، وهي أعلى هيئة تنظيمية في وول ستريت.
وصرح بريت نوبلوش، محلل العملات المشفرة في «كانتور فيتزجيرالد»: على الرغم من كل التبني المؤسسي والزخم التنظيمي الإيجابي، فقد تلاشت مكاسب سوق العملات المشفرة هذا العام.
وأضافت الشكوك الجديدة حول ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة خلال اجتماع ديسمبر خلال الأسابيع الأخيرة إلى المخاوف بشأن التقييمات الباهظة لشركات التكنولوجيا في وادي السيليكون، والتي تتصدر طفرة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي.
ويعزز انخفاض أسعار الفائدة جاذبية العملات المشفرة وغيرها من الأصول الخطرة، لأنه يقلل من حجم الأرباح التي يمكن للمستثمرين كسبها من الاحتفاظ بديون الحكومة الأمريكية قصيرة الأجل. كما أثر تراجع احتمالات خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر.
والذي خفض أسعار الفائدة بمقدار 0.5 نقطة مئوية حتى الآن هذا العام، على الأسهم، ما أدى إلى انخفاض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 القياسي بنحو 3% عن أعلى مستوى إغلاق قياسي سجله في 28 أكتوبر.
لكن الرئيسي الأمريكي دونالد ترامب كان هو من تسبب في اليوم الأسوأ خلال تذبذب السوق الأخير. ففي 10 أكتوبر، أدى تهديد الرئيس بفرض رسوم جمركية «ضخمة» على الصين إلى تصفية 20 مليار دولار من مراكز العملات المشفرة ذات الرافعة المالية - وهو أكبر انخفاض يومي على الإطلاق - عبر منصات التداول التي تراقبها منصة التداول كوين بيس.
وقال ريان راسموسن، رئيس قسم الأبحاث في شركة «بيت وايز» لإدارة الأصول: «مستثمرو العملات المشفرة يعشقون الرافعة المالية. وما نراه مراراً وتكراراً هو أن المتداولين يخاطرون بأنفسهم. ويعتقدون أن هذه المرة مختلفة».
وترك حجم وسرعة الانخفاضات في سوق العملات المشفرة في 10 أكتوبر أثراً واسعاً، فالمستثمرون، الذين اقترضوا أموالاً لتعزيز عوائدهم وباتوا معرضين للخطر بشكل خاص عند انخفاض الأسعار، يشيرون الآن رسمياً إلى عمليات البيع باسم «10/10».
وقال ديفيد نامدار، الرئيس التنفيذي لشركة «سي إي ايه إندستريز»، وهي شركة تدخين إلكتروني بدأت في وقت سابق من هذا العام بشراء كميات هائلة من رمز أصدرته «باينانس»، أكبر بورصة عملات مشفرة في العالم: «ما نشهده الآن ليس انهياراً في أسواق العملات المشفرة. إنها الصدمة الممتدة لحدث التصفية في أكتوبر».
وأضاف نامدار: «يختلف نطاق عمليات البيع هذه المرة لأن المراكز أكبر، والرافعة المالية أعمق، وتستغرق التصفية وقتاً أطول، فما لم تتغير الأساسيات».
وإلى جانب البتكوين، انخفضت ست من أكبر 20 عملة مشفرة من حيث القيمة السوقية بأكثر من 40% هذا العام، مع انخفاض كل من «شيبا إينو» و«سوي» و«أفالانش» بنحو 60%.
ويقول بعض المحللين إن التراجع الحاد الذي شهدته أسواق العملات المشفرة في 10 أكتوبر قد يفسر الانخفاض الحاد في بعض قطاعات سوق الأسهم الأمريكية خلال الأسابيع الأخيرة.
وفقد مؤشر جولدمان ساكس لشركات التكنولوجيا غير الربحية، والذي يحظى بشعبية كبيرة بين المتداولين الأفراد، 19% منذ بلوغه الذروة في 15 أكتوبر.
وقال فيراج باتيل، الشريك ونائب رئيس قسم الأبحاث في شركة فاندا، التي تراقب تدفقات تداول الأفراد: «شهدنا تراجعاً ملحوظاً في سلوك المستثمرين الأفراد في سوق الأسهم الأمريكية منذ منتصف أكتوبر تقريباً». وأضاف أن التدفقات إلى صناديق المؤشرات المتداولة «الدفاعية» التي تتبع سوق الأسهم الأوسع قد ارتفعت في الوقت نفسه.