الثلاثاء، 30 ديسمبر 2025

دبي، الإمارات العربية المتحدة:
قضت المحكمة المدنية الابتدائية في دبي بإلزام مستشفى خاص وأربعة أطباء يعملون لديه، بتعويض زوج وطفلَي امرأة خليجية توفيت أثناء الولادة بمبلغ مليونَي درهم، بعد ثبوت ارتكابهم خطأ طبياً جسيماً أدى إلى وفاتها، وصدور حكم جزائي باتٍّ بإدانتهم ومعاقبتهم بالغرامة وسداد الدية الشرعية لورثة المتوفاة.
وتعود تفاصيل الدعوى، حسبما استقر في يقين المحكمة وورد في أوراقها، إلى أن المدعي أقام الدعوى بصفته الشخصية، وبصفته الولي الشرعي على طفليه القاصرين، مطالباً بتعويض عن الأضرار المادية والأدبية والنفسية التي لحقت به وبولديه، نتيجة وفاة زوجته داخل المستشفى المدعى عليه أثناء الولادة.
وأفادت أوراق الدعوى بأن المتوفاة كانت حاملاً بمولودها الثاني عن طريق التلقيح الاصطناعي، وهو ما تطلب، وفق التقارير الطبية، عناية خاصة ومتابعة دقيقة، نظراً لحساسية الحالة الطبية واحتمالية التعرض لمضاعفات بعد الولادة.
وأشارت إلى أن المتوفاة أُدخلت إلى المستشفى تحت إشراف الطاقم الطبي، إلا أنها تعرضت عقب الولادة لنزيف حاد، لم يتم التعامل معه بالسرعة والكفاءة اللازمتين، رغم وضوح خطورة الحالة، وهو ما أدى إلى تدهور حالتها الصحية ووفاتها.
وثبت للمحكمة، وفقاً لتقرير اللجنة العليا للمسؤولية الطبية الصادر عن هيئة الصحة بدبي، أن الرعاية الطبية المقدمة للمتوفاة كانت دون المستوى المطلوب، وأن الطاقم الطبي لم ينجح في التعامل المناسب مع نزيف ما بعد الولادة في الوقت المناسب، وهو ما عدّته اللجنة سبباً مباشراً للوفاة، مؤكدة وجود خطأ طبي جسيم.
وأوضحت اللجنة في تقريرها أن الخطأ لم يكن مجرد مضاعفات طبية محتملة، وإنما تمثل في الإهمال وعدم اتباع الأصول الطبية المتعارف عليها.
وحددت نسب الخطأ الواقعة على الأطباء الأربعة، حيث حملت الطبيبة المشرفة على الحالة النسبة الكبرى من المسؤولية، في حين توزع باقي النسب على أفراد الطاقم الطبي المشاركين في متابعة الحالة.
وكانت الواقعة قد أحيلت إلى القضاء الجزائي، وأدانت المحكمة الأطباء الأربعة بتهمة الخطأ الطبي الجسيم، وقضت بتغريم كل منهم 50 ألف درهم، مع إلزامهم بأن يؤدوا لورثة المتوفاة دية شرعية، وأحالت الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة.
وطعن الأطباء على الحكم الجزائي أمام محكمة الاستئناف، التي قضت برفض الطعون وتأييد الحكم، كما رفضت الطعون المقدمة، ليصبح الحكم الجزائي باتاً ونهائياً.
وأكدت المحكمة المدنية في حيثيات حكمها أن الحكم الجزائي البات تكون له حجية أمامها فيما فصل فيه فصلاً لازماً من ثبوت الخطأ الطبي ونسبته إلى فاعليه، وذلك استناداً إلى نص المادة (269) من قانون الإجراءات الجزائية.
وأشارت إلى أن المشرّع ألزم مزاول المهنة الطبية بالالتزام بالأصول العلمية والفنية المتعارف عليها وفق المادة الثالثة من المرسوم بقانون اتحادي رقم (4) لسنة 2016 بشأن المسؤولية الطبية.
وأوضحت أنه من المقرر قانوناً أن الخطأ الطبي يكون جسيماً إذا تسبب في وفاة المريض، متى اقترن ذلك بالإهمال الشديد أو الانحراف غير المبرر عن القواعد الطبية المتعارف عليها، وهو ما توافر في الواقعة محل الدعوى، وفقاً لما خلصت إليه اللجنة العليا للمسؤولية الطبية.
وأكدت أن الضرر الذي أصاب المدعين لم يقتصر على الجانب المادي، وإنما شمل الضرر الأدبي والنفسي الناتج عن فقدان زوجة وأم، وهو ما يدخل في نطاق التعويض.
وفيما يتعلق بمسؤولية المستشفى، أفادت المحكمة بأن المنشأة الطبية تتحمل المسؤولية التبعية عن أعمال أطبائها، باعتبارهم تابعين لها ويعملون تحت إشرافها الإداري والفني، وفقاً لما نصت عليه المادة (174) من قانون المعاملات المدنية، التي تقضي بمسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه غير المشروعة.
وبشأن طلب إدخال شركة التأمين خصماً في الدعوى، قضت المحكمة بعدم قبوله، لعدم سلوك الطريق الذي رسمه القانون بعرض النزاع التأميني على لجنة تسوية المنازعات التأمينية المختصة قبل اللجوء إلى القضاء.
وقدّرت المحكمة التعويض الجابر للأضرار المادية والأدبية التي لحقت بالمدعين بمبلغ مليوني درهم، ووزعت المسؤولية المالية على المدعى عليهم، كلٌّ بنسبة خطئه.