الأربعاء 13 نوفمبر 2024 - 02:50:38 ص

سيارات «الروبوتاكسي» التشاركية.. هل هي مستقبل المدن؟

سيارات «الروبوتاكسي» التشاركية.. هل هي مستقبل المدن؟

دبي، الإمارات العربية المتحدة:

تخيل عالماً ينبض بالحياة؛ حيث تنساب فيه وسائل النقل العام بسلاسة، تصل بك إلى وجهتك في اللحظة التي تشاء، دون توقف أو انتظار. وتخيل رحلة مباشرة إلى غايتك، بتكلفة زهيدة وأثر بيئي ضئيل، تتفوق فيها على السيارات الخاصة وحتى القطارات فائقة السرعة. والأجمل من ذلك كله أن هذه الأنظمة الذكية لا تشوه جمال شوارعنا، بل تتناغم مع بنيتها التحتية الحالية، دون الحاجة إلى استثمارات باهظة.

إن المركبات ذاتية القيادة، المعروفة بـ«روبوتاكسي»، تحمل في طياتها ثورة في عالم التنقل داخل المدن؛ حيث يمكن أن تتغلب على مشكلة الاختناقات المرورية، لذا يجب أن نمضي قدماً نحو تطوير أساطيل من هذه المركبات الكهربائية خفيفة الوزن، ومنخفضة التكلفة.

وتعرف هذه الأنظمة باسم أنظمة النقل السريع الشخصية؛ ويمكنها السير بمسارات ضيقة ومخصصة ومغلقة أمام أي نوع آخر من وسائل النقل الأخرى، ويمكن للركاب الصعود والنزول في أي مكان يختارونه. وفي وقت سابق من أكتوبر الجاري كشفت شركة «تسلا»، التي يرأسها إيلون ماسك عن خطته لتصنيع سيارات أجرة ذاتية القيادة.
كذلك تشغل شركة «وايمو» التابعة لمجموعة «ألفابيت» بالفعل مركبات أجرة آلية في بعض المدن الأمريكية، ولكن هذا التصور يفتقر للطموح الكافي؛ ويمكن أن يؤدي إلى زيادة الازدحام المروري، مثلما فعلت شركة «أوبر» لخدمات النقل عند الطلب، حيث تعاني هي الأخرى من القيود الحالية لشبكة الطرق من دون تطوير مسارات مخصصة، ويعود ذلك إلى صعوبة تخيل الكثيرين لحياة خالية من السيارات.

كانت الولايات المتحدة اتخذت قراراً محورياً في منتصف القرن العشرين، شكل مدنها واقتصادها وأسلوب حياتها؛ إذ اختارت الطرق السريعة والسيارات على حساب وسائل النقل العام. وفي ذلك الوقت بدا هذا القرار كأنه مستقبل مشرق، حيث ارتبطت الحرية بطرق مفتوحة، وازدهر السكن في الضواحي، وتضافرت عوامل النهضة الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية لدفع أمريكا نحو ثقافة تتمحور حول السيارة.

وقد كرس قانون «المساعدات الفيدرالية للطرق السريعة» لعام 1956 هذه الرؤية، وهو ما أدى في النهاية إلى إنشاء شبكة من الطرق السريعة، شجعت على التوسع الحضري في الضواحي، وأعطت دفعة لصناعة السيارات، وهمشت وسائل النقل العام. كما اعتُبرت أنظمة السكك الحديدية حينها تقنيات متقادمة وبطيئة، وغير مناسبة لطموحات أمريكا في فترة ما بعد الحرب.

وكانت السيارة بذلك «ملكة» وسائل النقل، لكن هذا النظام المزدحم أخذ في الانهيار، ففي عام 1950 كان حوالي 30 % من سكان العالم يعيشون في المدن، فيما يتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 60 % بحلول عام 2030، وهذا النمو الكبير يفوق قدرة البنية التحتية على التكيف، ومع تزايد أعداد السيارات تزداد القدرة الاستيعابية للشوارع سوءاً، لذلك أصبحنا بحاجة إلى حلول جديدة.

إن أنظمة النقل العام مثل القطارات الخفيفة والثقيلة تعتبر باهظة التكلفة عند توسيعها، وغير فعالة عندما لا تكون عالية الإشغال. وقبل 15 عاماً أظهرت تحليلات عديدة أن أنظمة السكك الحديدية الكهربائية في شمال شرق الولايات المتحدة تتسبب في انبعاثات كربونية أسوأ من السيارات العاملة بالبنزين.

وعند تطبيق نموذج النقل الذاتي المشترك تتسع الفجوة في استخدام الطاقة لكل راكب بشكل أكبر، ويعود ذلك إلى معدلات الإشغال، فخارج أوقات الذروة، تبلغ نسبة الإشغال في قطارات الركاب حوالي 30-40 %.

وتستهلك القطارات الكهربائية عالية السرعة في الولايات المتحدة ما يتراوح بين 200 إلى 600 واط-ساعة لكل ميل للراكب، خلال فترة 24 ساعة في بيئة حضرية، أما في مركبة كهربائية ذاتية القيادة تحمل 4 ركاب فقد يكون الاستهلاك حوالي 50 واط-ساعة لكل ميل للراكب فقط، وهناك أيضاً مسألة تأثير هذه الأنظمة على البيئة الحضرية والأعمال.

إن الشوارع في مدننا بلغت أقصى سعتها؛ ولا يمكننا توسيع الطرق لاستيعاب حلول نقل جديدة دون تكبد تكاليف باهظة وإحداث اضطرابات واسعة.

في المقابل يمكن لمركبات النقل السريع الشخصي العمل على ممرات ضيقة بعرض ممرات الدراجات، وهو ما يجعل تكلفة النقل لكل ميل للراكب أقل بكثير مقارنة بالسيارات الفردية أو القطارات عالية السرعة، سواء من حيث المركبات أو البنية التحتية، بينما تتطلب القطارات عالية السرعة مسارات مكلفة، وأنظمة إشارات وبنية تحتية للمحطات. ويمكن لهذه الأنظمة أن تنشر ضمن شبكات بسيطة، غالباً باستخدام الطرق القائمة أو ممرات خفيفة جديدة يسهل بناؤها وصيانتها.

عموماً، لن تكون هناك حاجة إلى تمويل عام كبير، إذ إن نسخاً من هذه المركبات موجودة بالفعل في بعض المطارات. وتسعى شركات ناشئة مثل شركة «جلايدوايز» للفوز بعقود وتطبيق النظام في مناطق مثل «إيست باي» بسان فرانسيسكو، لكن هذا لا يكفي، إذ يوجد نحو 200 مدينة حول العالم تمتلك أنظمة مترو، وآلاف المدن الأخرى الكبيرة التي تحتاج إليها، لكنها لا يمكنها تحمل الخيارات المتاحة حالياً.

إن نظام التنقل السريع الشخصي يمكنه تغيير هذه المعادلة؛ فهو يشكل جزءاً بسيطاً من تكلفة بناء وتشغيل أنظمة القطارات الخفيفة والحافلات، ومشاريع البنية التحتية لا تحتاج أن تكون ضخمة حتى تصبح فعالة. ويوفر الروبو تاكسي العام المستقل أفضل الميزات، بفضل الحجم الصغير وقدرته على التكيف مع الطلب في الوقت الفعلي، إضافة إلى خدمة مرنة من نقطة إلى نقطة، وكل ذلك دون تحميل الخزينة تكاليف باهظة.