الثلاثاء 14 يناير 2025 - 07:32:12 ص

صناديق الاستثمار تبقى ملائمة رغم التحديات الكبيرة للأوقات الراهنة

صناديق الاستثمار تبقى ملائمة رغم التحديات الكبيرة للأوقات الراهنة

دبي، الإمارات العربية المتحدة:

بدأت مسيرتي المهنية في مدينة لندن، حيث عملت في شركة «جرينفيلد آند كولجريف» للوساطة المالية في منتصف ثمانينيات القرن الماضي. آنذاك، لم يكن أحد يستخدم حاسوب «آي بي إم» الجديد.

كنت أستخدمه كآلة حاسبة ضخمة لحساب قيمة سندات صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة، وكان يقدر قيمة السندات بدقة تفوق تقديرات صانعي السوق. وبفضل هذه الدقة، حققنا أرباحاً صغيرة، واستمر ذلك لسنوات طويلة، حتى ظننا أننا بلغنا ذروة التطور!

لاحقاً، انتقلت للعمل في شركة «بي زد دبليو» كوسيط في صناديق الاستثمار وعقد الصفقات، قبل أن أنتقل إلى إدارة الصناديق، وشاركت في إدارة العديد منها على مر السنين.

قضيت غالبية الأشهر الاثني عشر الماضية أستمتع بإجازة طويلة، منحتني الفرصة لفحص صناديق الاستثمار من وجهة نظر مستثمر خاص، يمكنه الإحاطة بهذا المجال من منظور 360 درجة. فماذا تعلمت؟ منذ إطلاق الصندوق الأول على الإطلاق وهو صندوق «فورين آند كولونيال» عام 1868، كانت صناديق الاستثمار العالمية وسيلة رائعة للمدخرين البريطانيين تمكنهم من الاستثمار في الأسهم والسندات في جميع أنحاء العالم.

وكان هيكل الصناديق يتيح بعض المرونة للتحرك. بمعنى آخر، كان مديرو الصناديق يمكنهم اقتراض الأموال لشراء أصول يعتقدون أنها ستدر دخلاً أفضل من تكلفة القرض، وهي طريقة رائعة لتعزيز الأداء عندما تنجح، لكنها ليست مفيدة في حالة فشلها.

ويشرف على صناديق الاستثمار مجالس إدارة، كانت في أفضل حالاتها توفر الدعم لمديري الصناديق في الأوقات الصعبة، وتكبح جماحهم عندما يفرطون في الحماس. لكن، هل ما زال هذا النموذج ناجحاً في القرن الواحد والعشرين؟

ربما يكون أفضل طريقة للحكم على ذلك هو النظر إلى الأداء. فقد كان أداء صناديق الأسهم العالمية الكبيرة ممتازاً خلال الأعوام الخمسة الماضية. وبلغ متوسط أداء الأصول الصافية 71% حتى نهاية سبتمبر من العام الجاري، بينما سجل أداء مؤشر «إم إس سي آي أول وورلد» 64% فقط.

المشكلة التي تواجه الصناديق هي عندما يتوتر المستثمرون أو يفقدون اهتمامهم، حيث تنخفض قيمة الأسهم لأقل من الأصول التي تمتلكها الصناديق. وإذا تصورنا صندوقاً يحوي أصولاً بقيمة 100 جنيه إسترليني وتتداول الأسهم عند 90 بنساً، فنقول في هذه الحالة إن الأسهم تتداول بخصم قدره 10%.

وهذا هو الوضع الحالي، فمع اتساع هوامش الخصم، لم تنعكس الزيادة الكاملة لقيمة الأصول الأساسية، أو ما يعرف بـ«القيمة الصافية للأصول»، على أسعار الأسهم. ففي السنوات الخمس الماضية حتى نهاية سبتمبر، ارتفعت هذه الأسعار بنسبة 60% فقط.

ولم يكن أداء هذه الصناديق على المدى القصير جيداً أيضاً، فقد ارتفع صافي الأصول بمقدار 17% خلال عام واحد، بينما ارتفع المؤشر بنسبة 20%. فيما حققت الصناديق التي تتبع المؤشرات أداء أفضل، لأنها لا تواجه مشكلة الخصومات.

وتكون الخصومات جذابة إن كنت مشترياً، لكن المساهمين الحاليين لا يشعرون بهذه الجاذبية. وحاولت مجالس الإدارة قدر استطاعتها تقليل الخصومات، وعادة ما يكون هذا عن طريق صناديق تعيد شراء الأسهم نفسها لدعم الطلب.

وقد تبدو هذه مهمة غير مجزية. وحتى عام مضى، كنت أدير صندوق «ميد ويند إنترناشونال إنفستمنت فند» بالاشتراك مع ألكس إيلينغوورث من «أرتميس». وقد أبقى مجلس الإدارة على حد أقصى للخصومات قدره 2%، ما يظهر ولاءهم للمساهمين الحاليين.

لكن أدى حفاظهم على هذا الوضع إلى شرائهم الأسهم بكمية كبيرة بينما كان المستثمرون ما زالوا في طور التعرف على المدير الجديد، وهو ما حدث لدى تسلمي زمام إدارة الصندوق. ولاقى صندوق «كيستون» صعوبة بالغة في إدارة الخصومات، ما دفع الإدارة إلى حله. وفي حين تبدو الخصومات الكبيرة خطراً دائماً في عالم اليوم، إلا أن الأمد لا يطول حتى تتداول الصناديق بعلاوة وتصدر أسهماً جديدة.

وهناك الكثير من الصناديق التي تتمتع بأداء رائع في هذا المجال. ويتسم سجل الأداء الخاص بصندوق «إف آند سي إنفستمنت تراست» بأنه جيد باستمرار، لكن خصمه الحالي البالغ 10% لا يبدو مبرراً. وحقق صندوقا «إيه في آي جلوبال تراست» و«برونر إنفستمنت» أداء جيداً للغاية. والأول مستثمر في «القيمة العميقة»، وهو نهج استثماري قد يكون مناسباً لمن يؤمنون بمستقبل شركات مثل «مايكروسوفت» و«إنفيديا» وغيرهما من الشركات عالية القيمة للغاية.

وبالنسبة لأولئك الأقل اهتماماً بتقييمات شركات التكنولوجيا، يتمتع صندوق «سكوتيش مورجيدج» بسجل ممتاز على المدى الطويل. ومع ذلك، تعرّض الصندوق لتقلبات في الآونة الأخيرة، ما كان مبعثاً لقلق الكثيرين.

ومن وجهة نظري، تعد التقلبات المرتفعة مشكلة خطيرة لصناديق الائتمان، لأن المستثمرين قد لا يواصلون الاستثمار خلال الأوقات العصيبة للاستمتاع بالأرباح على المدى الطويل. وأعتقد بأن مجالس الإدارة يجب ألا تشجع هياكل الاستثمار التي تعزز التقلبات، مثل المراكز الاستثمارية الكبيرة في أسهم بعينها، أو حيازة أسهم غير مدرجة بأحجام كبيرة، أو الاستخدام المفرط للرافعة المالية.

لقد شهد العام الماضي اتجاه الكثير من المدخرين البريطانيين إلى الصناديق التي تتبع المؤشرات على حساب أدوات الاستثمار التقليدية. وربما كان هذا هو السبب وراء زيادة الخصومات. ومع ذلك، كان هناك مشكلة أخرى، وكانت الطريقة المضللة التي طلب بها من الصناديق أن تكشف عن رسومها، وهي مشكلة يبدو أنه تم التوصل إلى حلها أخيراً. إنه وقت صعب بالنسبة للصناديق، لكن الـ150 عاماً من عمر الصناديق شهدت الكثير من التحديات.

ويجب على هذه الصناديق التغلب على المنافسة من وحدات الصناديق، والصناديق المتداولة في البورصة، خاصة الصناديق التي تتداول في البورصة النشطة على نحو متزايد. لكن هياكل هذه الصناديق أثبتت جدواها عموماً. ويبرهن الأداء الأخير للصناديق أنها ما زالت ملائمة. لذا، يجب على المديرين الجيدين مواصلة اجتذاب المستثمرين. وأعتقد بأن بعض هذه الخصومات هي في حقيقتها فرص أكثر من كونها علامات تحذيرية.